الوئام الوطني - رغم مظهرها غير المدني، ورغم محاولات السلطات العمومية القضاء عليها بشتى الطرق، ظلت العربات التي تجرها الحمير (شاريتات) صامدة في وجه التحديات، وعصية على الاستسلام للبدائل التي تقدمتها العربات ذات المحرك والعجلات الثلاث (واو) خلال العقد الأخير.
فتاريخ "شاريتات" في هذه البلاد ضارب في القدم، حيث ظلت وسيلة نقل البضائع وتوصيل مياه الشرب لمدى عقود، لتصل الى أماكن وأزقة تنعدم فيها الطرق والبنى التحتية اللازمة لمرور السيارات.
وبسبب رغبة السلطات العمومية في تحديث المدن من خلال القضاء على ظاهرة "شاريتات"، قامت باستيراد أعداد كبيرة من العربات الحديثة أملا في ضبط المرور وعصرنة الوجه الحضاري للمدن.
غير أن العربات التي تجرها الحمير "شاريتات" واصلت تصدرها للمشهد العام في الأسواق والطرق والأزقة، بدعم كامل من التجار والزبناء والأسر العطشى، وإصرار منقطع النظير من ملاكها والمستثمرين فيها.
ويقوم بعض ملاك "شاريتات" بتشغيل أبنائهم، وذلك من خلال تخصيص بعضها لنقل القمامة من المنازل ورميها في الاماكن المخصصة لتكديسها، ويتولى الاطفال هذه المهمة التي تخلو من رفع الأثقال، كما هو حال المواد الغذائية والألبسة المستعملة وأطنان الإسمنت والحديد، أو العناية بالنظافة كتوزيع مياه الشرب، وهي أمور تتطلب قوة الرجال ووعيهم الصحي.
ويرى "عابدين"، وهو مواطن يكسب قوت يومه من خلال تشغيل"شاريت"، أن عربته تعتبر وسيلة دخل "سلسة ومطيعة"، منبها إلى أن عطاءها يتوقف على مدى العناية بالحمار الذي يجرها باعتباره محركها الذي لا غنى لها عنه.
وأوضح عابدين، في تصريح خاص لوكالة الوئام الوطني للأنباء، أن" شاريت" تستطيع فعل ما لا تفعله السيارات، أحرى أن تستطيعه عربات صغيرة تفتقر إلى قوة المحرك، بحسب تعبيره.
ونبه إلى أن "شاريت" تمتاز عن العربات الحديثة بكونها الأرخص سعرا، والأقدر على تجاوز الكثبان الرملية، وبكونها الوسيلة الأكثر شيوعا لنقل وتوزيع المياه في الكثير من أحياء المدينة.
ويؤكد عابدين أنه يجني ما يكفيه وأسرته وحماره مما وصفه بالعيش الكريم الذي يغنيه عن سؤال الغير، غير أنه يرى أن تفشي جائحة "كورونا" أثرت كثيرا على دخله بسبب خوف الزبناء من مخالطته.
وقال إن الشائعات التي أطلقها البعض بنقل الحمير للفيروس تسللت إلى عقول الكثير من الزبناء.
وحول أسباب فشل العربات الحديثة في القضاء على ظاهرة "شاريتات"، قال عابدين إن الدولة، ممثلة في "مفوضية الدمج"، حاولت بيع عربات "واو" لجميع المستثمرين في قطاع العربات التقليدية بأسعار مخفضة، لكن التجار قاموا بشراء العربات الحديثة بكميات معتبرة، وهو ما جعل أصحاب "شاريتات" يحتفظون بها ويواصلون العمل الذي لن و لم يتنكر له زبناؤه بل شجعوه على المضي في تحدي محاولات التحديث، على حد وصفه.