في العدد 41 من صحيفة "مغاربي " التي ستصدر يوم غد الخميس 18 من مارس 2021 و الواسعة الانتشار في دول المغرب العربي كتب المدير الناشر العميد حسن عثمان افتتاحية تحت عنوان : يوم حداد نخيل العرجة
"قد يبدو يوم 18 مارس عاديا ورتيبا بأحداثه المكررة المستعادة وحروبه وخصوماته الموروثة مما سلف من الأيام ، ولكنه سيظل ،رغم ذلك ، جديرا بوقفة تأمل لكونه يؤرخ لواحدة من حالات القطيعة القسرية بين الانسان والطبيعة.
وحتى لا يذهب بنا الخيال مذاهب شتى، يكفي أن نستحضر كيف كان الانسان ، قبل ملايين السنين، جزءا راتبا في منظومة طبيعة يتواصل مع مكوناتها ومفرداتها عبر وشائج وروابط سرية بثها الخالق في ملكوته الأرضي. ولعل أشهر ما نقلته إفادات الأنثروبولوجيين في هذا السياق رواية كارلوس كاستانيدا عن الهنود المكسيكيين الذين يخاطبون الأشجار إلتماسا للعفو قبل قطع أغصانها وأوراقها طلبا للعلاج.
كان ذلك ممكنا قبل أن تتغلب المادة على الروح وتنتهي عصور البراءة الأولى ويتحول قلب الإنسان
الى كتلة معدنية صماء. ومع ذلك ، ثمة من يملك أن يجزم قاطعا أن أشجار النخيل في العرجة لم تكن في أحسن أحوالها النفسية يوم 18 مارس الذي أشرقت شمسه دون أن تطالع وجوه فلاحين مغاربة تكاد تعرف سحناتهم وأسماءهم منذ سنين وأعمار طويلة تشابكت فيها أقدار الناس وأشجار النخيل. ولأن إنسانا يفترض أن يكون سويا قرر ،ذات مزاج منفلت، أن يقطع علاقة الفلاحين المغاربة بأشجار النخيل الجزائرية يحق لنا أن نتساءل عن جدوى مثل هذا العبث البئيس الذي يحول علاقة الانسان بالأرض والطبيعة مسرحا لتصفية حسابات عابرة رخيصة. وبالفعل، ما يضير أيا كان أن يرتبط فلاح مغربي بنخلة جزائرية في علاقة وسمها "لا ضرر ولا ضرار"؟
أكاد أجزم أن أشجار النخيل في العرجة ستعلن 18 مارس يوما للحداد لأن الخلافات الصغيرة لبشر تستعبدهم سفاسف الأمور ستظل ترهق منظومة الطبيعة بما لا تحتمل من القسوة والجفاء والموت المعلن على رؤوس الأشهاد.
ومرة أخرى، ستظل طريق الفلاحين المغاربة الى العرجة مغلقة الى أشعار آخر ومزاج آخر وسيظل النخل السامق في واحة العرجة يستعيد ذكرياته المريرة ويلعن كل من يسعى عامدا الى قطع الحبل السري المقدس الذي يصل الانسان بالطبيعة.
وبعد، هل يصعب علينا إلى هذا الحد أن ندرك أن الأرض أوسع ، برحمة الله ،من أن نملأها بتفاصيلنا الصغيرة المكابرة؟"
يوم حداد نخيل العرجة
حسن عثمان