العلماني يحظيه محمد يشتاطُ غضباً على الذين أنكروا نشرَ الرذائل والفواحش عبر برنامج "المتروش" الذي تتوالى سقطاته الاخلاقية في كل حلقةٍ من حلقاته..ولما ثار المسلمون -بما تبقى لديهم من غيرةٍ على المحارم وأثارة من إيمانٍ وحياء- اغتاظ يحظيه وإخوانه من العلمانيين لذلك ، وكتبَ تغريدة طويلة يقول فيها " حراس الفضيلة يحاولون تثوير المجتمع الموريتاني وهذه المرة بحجة الأخلاق!
وأي أخلاق ؟
أخلاق لم تمنع القوة الحاكمة من أكل خبز القوة المحكومة..
وأخلاق لم تمنع تجار الأدوية من تزويرها وزهق أرواح المسلمين بها ..الخ "
وللرد على هذا الهذيان الفكري سأنطلق من قاعدتينَ منهجيتَين لنقد هذا الكلام :
الأولى : أنه ليس لأحدٍ أن يُطلق الاحكام والقضايا ويحدد المفاهيم والموازين ويستقل بتحديدها دونَ مرجعية فِكرية او علمية او عقدية ينطلقُ منها الإنسان ليَزِن المسائل ويحكم عليها بموضوعيةٍ وإحكام!
والثانية : أننا كمسلمين مؤمنين بالله تعالى وموقنينَ بصدقِ رسالتِه لزاماً علينا التسليمُ لشرعه والانقياد لحُكمِه ، بل وردِّ الأحكام عند التنازُع إلى كتابِه وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك من مُقتضياتِ الإيمانِ الكامل..مصداقاً لقولهِ سُبحانه :
{{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }}
[ سورة النساء 59]
بناءً على هاتينِ المُسلَّمَتين أقول -مُنطلقاً من مرجعية الإسلام- وبالله التوفيق :
إن أولى السقطات الفاضحة والإشكاليات المنهجية لديكَ يا يحظيه هي كونُك تُطلق الأحكام دون مرجعيةٍ أخلاقية ولا دينية مُسلَّمة ، ولا قيمة موضوعية مُطلقة..!
فمن أنتَ في ميزان العلم والدين والفلسفة والتاريخ حتى تَنقِمَ على دعاة الأخلاق وحُراس الفضيلة غيرتهم ؟
وما المِعيار الذي تحتكم إليه في إطلاق الأحكام والقضايا والمفاهيم ؟!
إن كنتَ مُتحدثاً باسم الدين أو الاخلاق أو الفلسفة أو التاريخ أو خولتهُ أمةٌ من الأمم الحديث باسمها ..فأينَ اسمُكَ في المراجع التاريخية أو المجامع الفقهية أو الأكاديميات العلمية أو المراجع الفكرية والفلسفية ؟!
هنا يكمُن الفساد المنهجي لطرحِك..فلا انتَ انطلقتَ من مرجعية الإسلام ومصادِره واحتكمتَ إليها ، ولا أنتَ حدَّدت مرجعيتَك الفكرية في إطلاق الأحكام والقضايا والمفاهيم..!
ثانيا : غيظُكَ الفاضحُ وقلمُك الغضوبُ قد نقضَ ثوابت الإسلام الأخلاقية ، التي هرمُها الحياء والخشية من الله إن كنتَ مُسلما!
قال تعالى :
{{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }}
[ سورة النور (19) ]
وذكرَ الله سبحانه وتعالى صفات المنافقين والوعيد الشديد لهم بقوله :
{{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ }} [التوبة:67-68].
ثالثاً : نتَج عن خلَلِك المنهجيِّ في غياب المِعيارِ المُحكَمِ مُغالطاتٌ مكشوفة..منها :
1- أنك تنقمُ على المسلمين إنكارهم للفواحش بدعوى أن الدوافع الأخلاقية لم تمنع الحكام من أكل خبز المحكومين..!
وهذا مع كونه استدلالٌ فاسدٌ واحتجاجٌ مُنخرمٌ لا يستند إلى دليلٍ شرعي يمنع إنكار المنكر ، إلا أنه كذلك مغالطة منطقية مفضوحة ، تسمى عند الفلاسفة والمناطقة بِ "مُغالطة ماذا عن ؟!"
وهي التي يستهدف فيها المُغالط صرفَ النظر عن الموضوع الأصلي إلى موضوع آخر مُشابه للتهرب..!
فالمنطق يقتضي أن لا نخلط بين إنكار الفواحش وطُغيان الحكام واستبدادهم ، فلا تلازُمَ بين الأمرين ، ولا يُنافي إنكارُ هذا إنكارُ ذاك!
2- مظاهر الفساد السياسي والمالي والاجتماعي ناتِجةٌ عن أسبابٍ عديدة منها غياب الرقابةِ الذاتية وضعفُ الوازع الإيماني والأخلاقي والاستبداد السياسي وغيره...فلماذا لا تتوجه سهامُك إلى طبقة الحكام والمفشدين والمستبدين ؟
أم أن الدعاية المُغرضة للعلمَنة والانحلال والفواحش والمنكرات ستُصلح حال البلد وترقى به إلى أحسن من ما كان عليه ؟!
3- المنكرون لهذه المشاهد الفاضحة الكاشفة ينكرون معها الفساد السياسي والاقتصادي والمالي والإداري وغيره، وليس لهم إلا الإنكار والدعوة للإصلاح والتغيير..
أما منعُ الحُكام والمُجرمين والمُفسدين بالقوة والقتل والسفكِ والإجرام فتلك داعشية لا يُقِرها مُسلمٌ سليم الإيمان والأخلاق أحرى علماني يدعى الدعوة للإنسانية والسلام !
خلاصة القول :
إن كُلَّ مُنكَرٍ أخلاقياً او عقدياً او سلوكياً رآهُ المسلمُ -فرداً كان او جماعة- وجبَ عليه -بحُكم إسلامِه وإيمانِه- أن ينكرَه ويعملَ على تغييره بيده إن استطاع او بلسانه او بقلبه وذلك اضعفُ الإيمان..ولا يمنعنَّه ذلك الإنكار كونُه مُقصراً في بعض الطاعات او مُقترفاً لبعض الذنوب والسئيات ، وهذا معلومٌ عند جماهير المسلمين مَبثوثٌ في كتب الفقه والعقيدة والسلوك..
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" قال العلماء : ولا يُشترط في الآمرِ والناهي أن يكون كاملَ الحال ممتثلاً ما يأمرُ به مجتنباً ما نهى عنه ، بل عليه الأمرُ وإن كان مخلاً بما يأمر به ، والنهي و إن كان متلبِّساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان : أن يأمر نفسه وينهاها ، ويأمر غيره وينهاه فإذا أخلَّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخرة ".
ثم إن كل ما أسهبتَ فيه أيها العلماني من الحديث عن الفساد والإجرام والانحلال قد حرَّمه الإسلام ، ودعى إلى مُحاربتِه وشرَع لنا منظومةٌ من الإصلاح القِيَمي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي والقانوني ما يمنعُ كل صنوف الفساد وأشكالِه...لكنها حبرٌ على ورق الدستور الموريتاني ، معطلةٌ منذ ان تمت دستَرتها في القانون!
لذلك لا غرابة في انتشار مظاهر الفساد بصنوفه وأشكاله..
{{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }}
[سورة النحل (90).
محمد عبدالله الشنقيطي