أم لتسعة أيتام ، خمس بنات/ أربعة أطفال ، بالكاد بلغت ابنتها البكر سن الثامنة عشر، كانت في السابق تؤجر منزلا في منطقة شعبية يأويها وأسرتها.
المعيل الوحيد لها ولصغارها في الوقت الحالي مايجود به المحسنون من صدقات وزكوات، مع ماتمارس من أنشطة صغيرة يستطيع أصحاب الأمراض المزمنة ممارستها.
في السابق ظلت تساعد زوجها الراحل في تكاليف الحياة خلال السنوات الأخيرة من حياته كمشتغلة في صباغة الملابس، ليرحل الأخير رحلته الأخيرة دون استئذان تاركا لها حملا ثقيلا وحدها في عالم قد انشغل كل شخص فيه بمشاكله الخاصة.
عملت اسليمة دون كلل كدابة في ساقية كي تؤمن لصغارها ما يغنيهم عن تكفف الناس، فمارست كل مايمكن أن تمارس سيدة في منتصف العمر شبه أمية؛ من أعمال استطاعت من خلالها ومن خلال مايجود به المحسنون أن تغطي معظم تكاليف الصغار من إيجار وطعام وتكاليف دراسة.
لكن الزمان لم يرحم اسليمة ولم يرق لحالها، بل زاد جرعة قسوته عليها، وأبان عن وجه أكثر عبوسا في وجهها.
بعد وعكة صحية لم تتعافى منها بسرعة، اضطرت لزيارة المستشفى، مع أنها كانت ترفض ذلك، فقد كانت تدخر كل أوقية لإعالة صغارها، لكن حينما طالت الوعكة وقل الزاد كان لابد أن تراجع طبيبا، فإعالة الصغار متوقفة على صحة المعيل.
بعد ساعة قضتها في طابور أحد المستشفيات قابلت أخصائيا أحالها الطبيب المعاين إليه، ليطلب منها إجراء عدة كشوف طبية، ولتعود في اليوم الموالي، وكم كانت دهشتها حين أخبرها أنها تعاني من ضغط و شبه عجز في الكلى، وأنها تحتاج إلى علاجا سريعا في الخارج حتى لايحصل عجز كامل في الكلى.
انهمرت دموع المسكينة أمام الطبيب من هول الموقف وحياة صغارها بعد أن تَتْركهم للمرة الأخيرة ترتسم أمام وجهها، لكن دموعها الساخنة أرغمت الطبيب على أن يرق الحالها، بعدما حكت له عن وضعيتها.
طمأنها الطبيب الخلوق أنه يستطيع من خلال إحدى المنظمات وبعض المحسنين أن يسفرها إلى السينغال من أجل إجراء العلاج السريع، كما أن باستطاعته أن يبحث عن من يؤمن للصغار حوائجهم حتى تعود من الرحلة.
ازداد دموع اسلمية انهمارا، وأحست أنه مهما قست عليها الأيام فإن الأمل باق والخير باق في الأمة إلى نهاية الكون.
أيام وليال مرت وعادت اسلمية من رحلة الاستشفاء، مع أدوية دائمة تستطيع معها ممارسة حياتها الطبيعية، وانشطتها بوتيرة أقل، لكن تكاليف العلاج يستحيل أن تستطيع تأمينها معيلة أسرة كبيرة في منتصف عمرها وشبه أمية.
الوضع الجديد أرغم اسلمية على الرحيل بصغارها إلى أحد الأحياء النائية بالعاصمة حيث تبرع أحد المحسنين لها بحائط يحوي غرفتين وكوخ من الصفيح، بعد ما عجزت عن دفع إيجار سكنها القريب من مدارس الصغار.
وهكذا بدأت اسلمية رحلتها الجديدة، ولك أن تتخيل حياة امرأة في وضعيتها عاطلة عن العمل تعيل تسعة صغار، وتصرف على أدوية علاج مزمن، تحتاج ما يقارب الأربعين ألف أوقية قديمة لتؤمن حاجاتها الشهرية منه.
اليوم تسلمت اسلمية بطاقة تأمين مجاني بشكل كامل تغطي جميع حوائجها الطبية وأدويتها، في الدفعة الأولى من أصحاب الأمراض المزمنة المستفيدين من بطاقات التأمين المجاني التي وزعها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني على الدفعة الأولى من 100 ألف أسرة، ليبتسم الزمان في وجه اسليمة من جديد بعد طول انتظار.
زينب بنت ملاي