لقد عرفت موريتانيا خلال مسيرتها السياسية تطورات دستورية هامة، عكست مدى ما تحظى به فكرة الديمقراطية من احترام داخل أوساط النخب السياسية التي تعاقبت على الحكم في هذا البلد، الذي تميز منذ البداية بإرادة جيل من الشباب الذين قادوا الحراك السياسي والاجتماعي الذي توج بالتعددية الفكرية، مستنبطة من النهج العربي حيث التيار التحرري والمد القومي من جهة، والنزعة الإفريقية التي تجد صدى في الضفة والاحتكاك الإقليمي من جهة أخرى.
هذه الوضعية المتميزة قادت إلى تحول سياسي توج بالتعددية الحزبية التي أقرها دستور 20 مايو 1961م، إلا أن النظام القائم سرعان ما اتجه نحو الأحادية الحزبية وأقرها طيلة عقدين من الزمن، مما أدى إلى خنق الحريات العامة واحتقان سياسي عميق، أنتج نزعة الإصلاح والتغيير لدى النخب السياسية وقادة الرأي. مما أوصل البلد إلى طريق مسدود، أستوجب من الجيش أخذ زمام الأمور صبيحة العاشر من يوليو 1978 م، من خلال عناصر شابة لم تحمل مشروع مجتمع كما هو الحال لتجارب بلدان المشرق العربي نموذج سوريا سابقا وحتى بعض بلدان المغرب العربي نموذج ليبيا و الجزائر سابقا . إنما كان مقصدهم تخليص البلاد من حرب الصحراء وتقويم الاقتصاد الوطني وقيادة البلاد نحو مؤسسات ديمقراطية لاحقا. حيث أقدمت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني مباشرة وفقا للبيان رقم واحد على حل الدستور و الحكومة و البرلمان و الحزب الواحد و جميع الهيئات المتفرعة عنه ، معلنة بذلك بداية عهد جديد.
لقد شكلت المؤسسة العسكرية في موريتانيا منذ 1978 م ـ 1992 م، النخبة السياسية التي سيطرت على الأوضاع السياسية العامة، حيث تضع الاختيارات الكبرى للدولة، فهي التي تحدد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتوخاة وتسهر على تنفيذ البرامج.
نتيجة للتحولات العميقة التي عرفها العالم، حيث نهاية الحرب الباردة واندثار المعسكر الشرقي وتلاشي الأنظمة الفردية الإفريقية بالإضافة إلى البعد الاقتصادي المتمثل في دخول المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على خط نهج استثماري جديد، ارتبط بالتمويلات الخارجية لكافة الدول النامية، منذ قمة لابول بفرنسا، بالإضافة إلى الأصوات الداخلية المنادية بالإصلاح والتغيير، قررت النخبة الحاكمة قيادة البلاد نحو نظام ديمقراطي تعددي في إبريل 1991م ، على الرغم مما صاحبه من إخفاقات متعددة و متلاحقة تسارعت إلى حد نهايته سنة 2005 م.