تعودنا من رجال أعمالنا وأطرنا ووجهائنا أن يزاحموا السكان المحليين في مدنهم وقراهم إذا ما كانت هناك زيارة لفخامة الرئيس، وتعودنا في مثل تلك الأوقات أن تطغى على واجهة المواقع أخبارا من قبيل : "الوجيه الفلاني يبذل جهودا جبارة في سبيل إنجاح زيارة الرئيس"؛ "الحلف المحلي الفلاني يحشد أنصاره لاستقبال الرئيس" ؛ "رجل الأعمال الفلاني يتكفل بضيافة كل الوفود المستقبلة للرئيس"، وهكذا..
من المؤكد أن مثل هذا النوع من الأنشطة الكرنفالية، والذي تُنفق عليه أموال طائلة لا يخدم في حقيقة الأمر زيارات الرئيس. إن أهم ما يخدم زيارات الرئيس، هو أن يترك الرئيس يطلع بنفسه على أحوال الساكنة المحلية. أما مزاحمة الساكنة المحلية ومحاولة حجب همومها ومشاكلها من طرف أطر ووجهاء ورجال أعمال يقيمون في العاصمة نواكشوط، ولا يذهبون إلى مدنهم وقراهم إلا في مثل هذه المواسم، يأتونها وهم يلبسون أحسن الثياب، ويمتطون أفخر السيارات، ولا تبدو عليهم آثار السفر، ولا تعرفهم الساكنة المحلية والتي لا يتواصلون معها إلا في مثل هذه المناسبات، أما مزاحمة الساكنة المحلية من طرف هؤلاء فلن يُفيد في إنجاح الزيارات، بل بالعكس من ذلك، فهو يؤدي إلى إفشالها.
بالأمس تحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي عن جائحة كورونا، وقال إن فخامة رئيس الجمهورية أعطى أوامره للجنة الوزارية المكلفة بمتابعة كورنا بالبقاء في حالة انعقاد دائم، لمتابعة الوضع الوبائي في البلد، واتخاذ ما يلزم من إجراءات. وأضاف أن اللجنة اتخذت جملة من الإجراءات سيكون من بينها تنظيم أسبوع وطني للتلقيح.
الآن لنطرح هذه الطائفة من الأسئلة: أين هم رجال الأعمال والوجهاء والأطر؟ ولماذا لم يُطلقوا مبادرات في العاصمة نواكشوط لحث المواطنين على أخذ اللقاح؟ ولماذا لم نسمع عن قوافل من رجال الأعمال والأطر والوجهاء تتجه الآن إلى ولاياتنا الداخلية لحث المواطنين على التلقيح؟ ولماذا يتكرر ظهور رجال أعمالنا وأطرنا ووجهائنا في مدنهم وقراهم خلال المواسم السياسية، ويغيبون عنها ـ وبشكل كامل ـ في مثل هذه الأوقات الصحية الصعبة؟ فلماذا لم نسمع عن تنظيم الحلف المحلي الفلاني لحملة تحسيسية في القرية أو المدينة الفلانية؟ ولماذا لم نسمع أن فلانا من رجال أعمالنا قد قرر التكفل بنقل كل ساكنة قريته إلى أقرب مركز للتلقيح؟ ولماذا لم نسمع عن مبادرة أطر المدينة كذا لتلقيح ألف مُسِن من ساكنة تلك المدينة؟
لنُلخص كل تلك الأسئلة أعلاه في سؤال واحد : لماذا لا يتنافس رجال أعمالنا ووجهائنا وأطرنا إلا في المبادرات السلبية، ولماذا يغيبون دائما عندما تكون هناك حاجة ماسة لإطلاق مبادرات إيجابية؟
على الأطر والوجهاء ورجال الأعمال أن يعلموا أن الدعم الجدي والحقيقي لفخامة رئيس الجمهورية يتمثل حصرا في مساعدته في تحقيق برنامجه الانتخابي، وإعانته في مواجهة جائحة كورونا التي أربكت دول العالم كلها، والتي لا شك أنها تشكل تحديا حقيقيا لبلادنا.
إن حملات التلقيح لا يمكن تحويلها إلى حملات كرنفالية، فالأمر هنا يتعلق بأنشطة يمكن للجهات المختصة أن تُقومها في أي وقت، وذلك من خلال معرفة الأعداد التي أخذت اللقاح في كل قرية أو مدينة، ومتى زادت تلك الأرقام، فهل تزامنت تلك الزيادة مع الإعلان عن انطلاق المبادرة كذا مثلا؟
ربما تكون صعوبة تحويل حملات التطعيم إلى حملات كرنفالية، هو الذي أدى إلى تقاعس رجال أعمالنا ووجهائنا وأطرنا عن إطلاق مبادرات في هذا المجال، ذلك أن رجال أعمالنا ووجهائنا وأطرنا لا يتحمسون إلا في فترة المواسم الكرنفالية، ولا يبدعون إلا في المبادرات سيئة الصيت، والتي يكون ضررها على المجتمع وعلى الوطن وعلى الرئيس أكثر من نفعها.
فيا رجال أعمالنا ويا أطرنا ووجهاءنا : من أراد منكم أن يخدم فخامة الرئيس حقا، ويعينه في مهامهم الجسيمة، فليطلق الآن مبادرات جدية لحث المواطنين على الأخذ بالإجراءات الاحترازية، وإلى المسارعة في أخذ اللقاح.
تقول الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة بأن الأيام السبعة الأخيرة قد تم فيها تسجيل : 34 حالة وفاة بسبب كوفيد ـ19 و2240 إصابة جديدة ، ويعني هذا بلغة المتوسطات الإحصائية أنه في كل 5 ساعات تسجل حالة وفاة جديدة في بلادنا بسبب كوفيد ـ 19، وأنه في كل 4 دقيقة ونصف تسجل حالة إصابة جديدة بسبب هذا المرض.
إنها أرقام مقلقة جدا، ولذا فعلينا أن نتحرك جميعا ـ ومن الآن ـ لمواجهة الموجة الثالثة من هذا الوباء، والتي تُعتبر حتى الآن من أشد موجات هذا الوباء خطورة، فالسلالة الجديدة هي السلالة الأسرع انتشارا والأشد فتكا.
حفظ الله موريتانيا...