يقول ابن خلدون: إن قبيلة زناتة انقسمت إلى ثلاث قبائل رئيسة، من بينها قبيلتا "بنو يفرن" و"مغراوة" الكائنتان في المغرب والجزائر. إن طبيعة مجاورتهما لبعضهما، وموقعهما المغاربي الاستراتيجي، وسياق الرحم، يذكرنا باللحمة الاجتماعية والإثنولوجية التي تتجاوز قرار القطيعة الذي عززته الجزائر بإغلاق مجالها الجوي وإحكام بوابات حدودها الموصدة أمام المغرب، وهو لعمرك البلد الذي يشاطرها القربى والرحم، لذا يُخشى عليها من متلازمة التوأم المتلاشي خشية عدم نموها واضمحلالها.
إن أفول نجم مغربي من عائلة شيخ الإسلام بنزكري المغراوي، نسبة إلى قبيلة مغراوة، والتلمساني نسبة إلى مدينة تلمسان الجزائرية، يعد رزءاً فادحاً، فقد تميز عن الآخرين، لأنه تحديداً من أولاد الوكالة المغربية للتعاون الدولي، واشتغل مع ستة مديرين عامين سابقين مروا بهذه المؤسسة، التي تعنى بتقديم المنح الدراسية وتسجيل الطلبة الأجانب في الجامعات المغربية، حتى بات نجمه ساطعاً في مسيرته الطويلة كرئيس لقطاع تكوين الأطر، بفضل خدماته الجليلة لتسجيل الطلبة الموريتانيين، وإسناد الدعم لتكوين الكادر البشري الموريتاني.
وهنا أستطرد على أساس وضعي وعلمي، أنني شخصياً تشرفت بلقاء المرحوم أحمد بنزكري أثناء تسلمه بالنيابة التكريم الذي تقدمتُ به للوكالة المغربية للتعاون الدولي، على ضوء التكوين الذي يوفره المغرب للكادر البشري الموريتاني، فقد كان له دور كبير في مطبخ صنع التعاون الدولي المغربي الموريتاني على صعيد تكوين الكادر البشري، عبر تولي رئاسة قطاع التكوين.
لقد أفل نجمه اليوم بيننا وبقيت ذكراه خالدة من خلال تفانيه في تكوين الأجيال، وتعانق مضارب روح جده شيخ الإسلام بنزكري، الذي صدر هو الآخر مجموعة من الأئمة الأعلام، مثل الشيخ رزوق الفاسي، على سبيل المثال لا الحصر. ولن يكون هناك التباس في الرؤى لدى اثنين، حول أن لرأس المال البشري أهمية كبيرة، إلا أن رأس المال الانثربولوجي والدبلوماسي يتنسم قائمة الأولويات، لكونه أداة مفيدة ومتعالية في مجال الهندسة الاجتماعية، تماماً كما كان أحمد بنزكري رحمه الله، أداة مغربية مفيدة من التنوع العرقي والثقافي لتنويع مدرستها الدبلوماسية والتعاون والتكوين.
كانت تلك معرفتي ببنزكري المغربي، وتلك الإثنولوجيا التي تميزت بالرقي والموضوعية، والجذور العريقة، وأجزم أنه لا يمكن تعويض الرعيل السابق من العقول الدبلوماسية بسهولة، لقد رحل وترك لنا أجيالاً موريتانية مكونة نتلمس فيها آثار مسيرته، ونافذة دبلوماسية ترسخ مفهوم الدبلوماسي، فهو ضمير من بين ضمائر المواطنة.
رحم الله أحمد بنزكري، وأصدق التعازي لأمة المغرب العربي، وإنا لله وإنا إليه راجعون.