الوئام الوطني/ رغم ما تعرف به أحياء مقاطعة تفرغ زينة من أنها أحياء راقية خاصة بالأثرياء، إلا أن تلك اللوحة المرسومة في مخيلة الرأي العام لا تكاد تصمد أمام واقع حقيقي يتمثل في أحزمة الفقر المحيطة بالقصور والفلل والأسواق الراقية في الكثير من شوارع وساحات تلك الأحياء.
لوحة فنية غير متجانسة، لكنها ظلت تتعايش بحكم حاجة متناقضاتها لبعضها البعض، فلا الغني يستغني عما يقدمه الفقير الجار من حراسة وخدمات منزلية مختلفة، ولا الفقير قادر على مواجهة غلاء أسعار الأحياء البورجوازية وصعوبة توفير الخدمات الأساسية فيها من ماء وكهرباء.. وغيرهما دون الاستعانة بما يجود به الغني من أجور وهبات في بعض الحالات.
وضعية جعلت أغنى مقاطعات نواكشوط تتأرجح بين ثنائية المدنية الفاحشة والبداوة القاسية.
غير أن فقراء المقاطعة، المعروفين بالحراس، لم يستسلموا لأجور زهيدة وهبات قد تتوفر، وإن توفرت فلن تقضي حاجة، فقرروا دخول معترك الحياة بإقامة مشاريع صغيرة، بل صغيرة جدا، لتعينهم على نوائب الدهر، خاصة أن معظمهم قد استجلب أسرته واستقبل أقاربه واستضاف أصدقاءه، فبات توفير المستلزمات أمرا حتميا لا تكفيه الأجور الزهيدة، ولا يقبل انتظار صدقات قد لا تصل.
وأمام وضع كهذا، انتشرت في أحياء مقاطعة الأغنياء محلات تجارية صغيرة الحجم، عشوائية الانتشار، مقززة المظهر، غاية أصحابها القصوى توفير دخل يومي في غفلة من الجهات المعنية بالضرائب، وبعيدة عن أطماع ملاك الأسواق.
لم ينتظر بعض حراس تفرغ زينة، كما يسميهم البعض، الحصول على بيت صفيح لإقامة مشروعه الصغير الخارج على القانون، فنصبوا الخيام والأعرشة على قارعة الطريق، وتم عرض البضائع التي يجد فيها فقراء المقاطعة ضالتهم التي لا قبل لهم بالحصول عليها من أسواقها الغالية.
أصحاب الخيام المنصوبة للعرض التجاري يبقون الأكثر حظا من بين أمثالهم من التجار الفقراء، فالخيمة تطوى بشكل سريع كلما شعر أصحابها بخطر الملاحقة من قبل وكلاء البلدية ليتم نصبها في مكان بديل وبسرعة فائقة، لكنها تبقى أقل سرعة من التموضع وتغيير المكان الذي توفره العربات المحملة بالبضائع، والتي تبحث عن الزبناء في مظان تواجدهم أينما كانت.
حرب الكر والفر بين هؤلاء ووكلاء البلدية لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ، لكن النصر في النهاية يكون حليف التجار الفقراء، فمطاردتهم في مقاطعة تعج بالأسواق الراقية والمخابز الحديثة ومحطات الوقود الكثيرة والمحلات التجارية المتنوعة عادة ما تكون عامل تفويت الفرص الثمينة على المحصلين الذين يتركون التجار الصغار وشأنهم بعد كل عملية مطاردة يعتقدون أنها لن تكون مربحة في نهاية المطاف.
تحدى وحيد يواجه تجارة الفقراء في مقاطعة تفرغ زينه، ألا وهو الترحيل الوشيك الذي شرعت وزارة الإسكان في تنفيذه، والذي سيلقي ببيوت وأعرشة وخيام الحراس وأسرهم إلى ركن قصي من العاصمة، ليبقى لسان حال أغنياء مقاطعة تفرغ زينة يردد "ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين".
تقرير/ جمال أباه