منذ سقوط ريان في البئر ظهر الثلاثاء 1 فبراير، هبّ الجميع للمساعدة والمساندة، وقد تمّ استدعائي صبيحة يوم الجمعة-اليوم الرابع لسقوط ريان-وتمّ تكليفي بالجانب الطبوغرافي إلى جانب زملائي المهندسين الذين تواجدوا في عين المكان والذين أبلوا بلاءً حسناً في سبيل إنقاذ الصغير.
بعد أكثر من ثلاث ساعات من السير في طرق وعرة، وصلتُ مع فريقي إلى عين المكان وبدأنا في الخطوة الأولى والأهمّ، وهي تحديد إحداثيات الطفل ريان، وذلك لمساعدة العمّال على الحفر في الاتجاه الصحيح، وباستعمال أدوات القياس تمكنّا من معرفة مكانه بالضبط، فقد كان يبعد عنّا بستّة أمتارٍ أفقيّا ومترين اثنين عموديا.
كانت البداية خطرة جدّا وذلك بسبب تساقط الأحجار وكذا الأتربة العالقة داخل الحفر، وما إن همّ العمّال بالدخول إلى منطقة الحفر الأفقيّ حتّى تساقطت كميات كبيرة من الأتربة بداخل الحفرة وغطّت جزءا كبيراً منها، والنّتيجة: ساعتان من العمل الإضافيّ لأجل إخراج التربة المتساقطة!
الجمعة 4 فبراير – الساعة الحادية عشر ليلا
قام العمّال بوضع أسطواناتٍ حديديّة بداخل النّفق حتّى تحفظ العمّال من الأتربة المتساقطة وتجعل عملية الحفر اليدويّ أكثر أمنا، وقد كان المطلوب منّي رفقة فريقي أن نقوم بتحديد الموقع بعد كلّ مسافة جديدة من الحفر، وكان لزاما أن ندخل النّفق في كلّ مرّة لنحدّد مكان الصّغير مجدّدا ولنرشد عمّال الإنقاذ إلى الاتّجاه المطلوب، كان علينا أن نحدّد الاتجاه أفقيا بدقّة والعمق كذلك لأنّ أيّ خطأ كان قد يكلّفنا حياة ريان، الذي كنّا نطمح إلى إيجاده حيّا.
السبت 5 فبراير – الساعة السادسة صباحا
أثناء الحفر، اعترضتنا الكثير من الأحجار الصّلبة التي حالت دون الوصول في الوقت الذي حدّدناه سابقا. كان عمّي علي الصّحراوي هو المسؤول الأوّل عن الحفر، بينما كنت أنا أدخل من حين لآخر إلى النّفق لأتأكد من أنّ الحفر يسير في العمق والاتّجاه الصحيحين، كنتُ أوجّه العمّ في كلّ مرّة لينزل أو يصعد بضعة سنتمترات.
السّاعة الثانية عشر – يفصلنا عن ريان ثلاث أمتار
كنتُ بداخل النّفق رفقة عمّي عليّ الذي اشتغل لاثنتي عشرة ساعة متواصلة دون توقّف، وقد وصلنا أمرٌ بضرورة توقّفه عن الحفر ليأخذ قسطا من الرّاحة، لكنّه رفض وقال لي بكلّ عزيمة وثبات: “إمّا أن أستخرج ريان أو أموت هنا معه”، فما كان من السّيّد الوالي إلّا أن سمح له بالاستمرار بالحفر، فعاد للحفر مجددا إلى غاية الخامسة مساءً!
الساعة الخامسة عصرا – يفصلنا عن الوصول متر ونصف
أنهى عمّي عليّ وفريقه مهمّتهم التي كُلّفوا بها، وأخذ مكانه فريق الإنقاذ، وقمنا نحن بإعادة تقييم الوضع بكل أبعاده، المسافة المتبقية، المخاطر، احتمالات الوصول، كان الخطر الأكبر هو إمكانية سقوط التربة على كل من كان يعمل هناك، وهذا بسبب الطبيعة الجيولوجية للمكان، كما أنّ احتمال أن تفشل عملية الحفر بسبب كون البئر غير عمودية كان واردا جدّا!
بدأت فرق الوقاية المدنية باستخراج الأتربة لمدّة نصف ساعة. بعدها كنّا ندخل النفق لأخذ القياس المتبقي وتصحيح المسار، ثمّ يعود الفريق مجددا للعمل لنصف ساعة أخرى، ونعود نحن لأخذ القياس مجددا. كانت مسؤولية كبيرة تحمّلها الجميع للوصول إلى الصغير ريان.
الساعة السابعة والنصف – اجتماع طارئ
في اجتماع طارئ مع مدير العملية الضّابط سفيان الذي كان حاسما في قرارته دائما، طلب منّا مجددا القياس الدّقيق، وبعد إعادة الحساب وجدنا أننا على بعد 35 سنتمترا أفقيا عن جدار البئر و110 سنتمترات عمقا، وهناك تمّ إدخال جهاز الذبذبات الصوتية من أعلى البئر لمعرفة أنّنا في الاتجاه الصّحيح ووجدنا أنّنا كذلك بالفعل. إنّنا الآن بالضّبط في المكان والارتفاع المطلوب.
لقد كانت اللّحظات الأخيرة هي اللحظات الحاسمة، وكانت السنتمترات الأخيرة هي الأدقّ. وكان القرار الذي تحملّناه صعبا، إلّا أنّ الله كان معنا ولم يُخيّب أملنا، بل يسّر لنا الوصول إلى الصغير بعد كلّ هذا العناء. كان رجاؤنا أن يكون ريان حيّا، لكنّ الله بحكمته كتب له الوفاة في هذه الظروف الصعبة، وعزاؤنا فيه أنّه طيرٌ من طيور الجنّة.
وختاما، أتقدّم بوافر الشّكر لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله الذي كان يواكب العملية خطوة بخطوة.
الشكر كذلك لوالي جهة تطوان-طنجة-الحسيمة الذي تواجد بعين المكان وكان حريصا على كلّ جزئيات العمل، وكذا عامل عمالة شفشاون الذي واكب العمليّة بحضوره الشخصي.
أشكر كذلك قائد العملية الضابط سفيان على حسن تدبيره، وأرسل أجمل عبارات الشكر لعمّي علي الرجل الشجاع المثابر، وإلى جميع الزملاء المهندسين الطبوغرافيين، وخالص الشّكر إلى كلّ من ساهم من قريب أو بعيد في هذه العملية، كما أقدّم خالص التعازي لأسرة الصغير ريان وإلى كلّ الشعب المغربي، وإلى كل شعوب العالم التي تابعت تفاصيل الأحداث.
الطوبوغرافي المغربي، المهندس الخبير طارق المفتوحي، عضو فريق إنقاذ الطفل ريان