أدلى القاضي أحمد المصطفى وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية برأيه ضمن النقاش الدائر حول مدى قانونية إسعاف المصابين في مسرح الجريمة، موضحا أن القانون يعاقب كل من يحجم عن المساعدة التى لا تعرضه للخطر، وأضاف أنه لا يوجد أي نص يلزم انتظار وكيل الجمهورية سواء في مسرح الجريمة أو في المستشفيات.
جاء رأي القاضي في تدوينة فيما يلي نصها:
تَقْدِيم الإسْعَافَات الأولِيَّة: وحُضُور وكيل الجمهورية..
ـ تنص المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: << يمنع على كل شخص غير مؤهل قانونا أن يغير حالة المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو أن يزيل منه أي شيء، قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي، وذلك تحت طائلة العقوبة بغرامة من عشرين ألفا (20000) إلى مئتي ألف (200000) أوقية، أو بحبس لا يتجاوز عشرة (10) أيام، يستثنى من ذلك إذا كان هذا التغيير أو نزع الأشياء قد دعت إليه ضرورة السلامة أو الصحة العمومية أو تقديم الإسعافات للضحايا...>>..
ـ تنص المادة 57 من قانون العقوبات على عقوبة حبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بحق: <<...كل من يمتنع عمدا عن تقديم مساعدة إما بفعله الشخصي أو بطلب الإسعاف لشخص في حالة خطر دون أن يشكل ذلك خطرا عليه أو على الغير..>>..
ـ لا يوجد نص قانوني، ولا ترتيب تنظيمي يمنع الأطباء في المراكز الصحية من تقديم العلاجات الأولية للمصابين جراء حوادث ذات شبهة جنائية، قبل حضور وكيل الجمهورية، أو قبل الاستظهار بتسخير طبي صادر عن الضبطية القضائية..
ولا يوجد نص ولا ترتيب يمنع من نقل المصابين جراء مثل تلك الحوادث من مسرح الجريمة، لضرورة تلقي العلاج، قبل حضور الضبطية القضائية أو كيل الجمهورية..
بل إن الأولى: تقديم العلاجات الأولية الضرورية لأي مصاب، بطريقة الاستعجال، تبعا لحالته الصحية، محافظة على حياته، وهذا صريح بنص الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية، والفقرة الثانية من المادة 57 من قانون العقوبات..(النَّصَّان أعلاه)..
الأطباء المحترفون يعلمون هذا جيدا، ويتصرفون وفقه دائما، وما يحدث من إحجام في بعض الحالات، هو بسبب التأكد من سلامة الإجراءات، أو بسبب تجربة شخصية نشأ عنها سوء فهم..
ـ توجد مسائل اختلطت على البعض، فأدت إلى وقوع لبس:
1 ـ واجب المحافظة على مسرح الجريمة: وقد نصت عليه المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية المثبت نصها أعلاه، لكن باستثناء ضرورة السلامة، أو الصحة العمومية، أو تقديم الإسعافات للضحايا..
فأحيانا تقع تغييرات في مسارح الجريمة، تؤدي بضباط الشرطة القضائية إلى استجواب الأشخاص الذين قاموا بذلك، بمن فيهم من نقل الضحايا، فيؤدي ذلك إلى نفور الأشخاص من نقل الضحايا، ومنشأ ذلك بالأساس ضيق الصدر بالإجراءات القانونية العادية، بما فيها طرق جمع المعلومات..
2 ـ حالات الوفاة: تختلف حالات الوفاة المحققة عن حالات الإصابة، ففي حالة وفاة محققة لا توجد ضرورة لنقل الجثة سريعا قبل القيام بالإجراءات التحقيقية الأولية، ولا يجوز للطبيب القيام بالمعاينة قبل حضور الجهات المختصة، وتسخيرها له، ويؤدي الخلط بين حالة الوفاة المحققة، والإصابة إلى الإحجام عن نقل المصابين أو إسعافهم قبل إتمام إجراءات لازمة في حالة الوفاة، ويقدم عليها تلقي العلاج في حالة الإصابة، وقيام ضرورة الإسعاف..
3 ـ التسخير الطبي: يخلط البعض بين تقديم العلاجات الأولية الضرورية لحياة المصاب، والتسخير الطبي، ولا علاقة بين الاثنين، فهدف التسخير الطبي هو الأمر بالقيام بمعاينة طبية لكشف طبيعة الإصابة جنائيا، لصالح البحث الجنائي، والإثبات القضائي، وليس هدفها العلاج، فتقديم العلاج واجب تمليه نظم أخرى، وهدفه علاجي محض..
4 ـ وجوب التحقيق في الإصابات المشتبه فيها: ويقتضي ذلك حضور الضبطية القضائية عند وجود أي إصابة مشتبه فيها، وينشأ عن ذلك واجب الإبلاغ، وتقتضي التحريات أحيانا الاستماع للمسعفين، ونفورا من ذلك يحجم بعضهم عن إسعاف من لم تحضر معه الضبطية القضائية لحظة وصوله..
5 ـ سلوك بعض المصابين ومرافقيهم: أحيانا يحاول بعض المصابين ومرافقيهم تلقي علاجات أولية، ومغادرة المركز الصحي قبل حضور الضبطية القضائية، للتغطية على بعض الحالات، أحيانا بدافع جنائي، وأحيانا بدافع اجتماعي، فَيَكُفُّ الأطباء عن تقديم العلاج تجنبا لذلك في انتظار حضور الضبطية القضائية..
وعززت تلك المخاوف حالات مغادرة واختفاء وقعت، أدت إلى الاستماع لبعض عمال الصحة..
والخلاصة: أنه لا تلازم بين حضور وكيل الجمهورية، والتسخير الطبي، من جهة، وتقديم الأطباء للإسعافات الأولية الضرورية لحياة المصابين، أو نقلهم من مكان الحادث، من جهة أخرى..
مع ضرورة أن يتم ذلك بأكبر قدر ممكن من المحافظة على مسرح الجريمة، ومع القدر الكافي من الاحتياطات لمنع فرار أي شخص من المستشفى قبل حضور الضبطية القضائية، تجنبا للتغطية على بعض الحوادث..
مع أهمية أن تنشرح صدور الجميع لطرق وآليات جمع المعلومات، أثناء التحقيقات الجنائية الأولية، وتنمية تفهمها، وقبول شرفها، وعدم الخوف منها، والنظر إليها كسبب لتفويت الوقت، والشّغْل عن الأعمال، وما ينشأ عن هذه النظرة وذلك الخوف، من إحجام في محل الإقدام..
ثم إن تأخر الحضور في هذه الحالات نسبي، لكن الزمن وقتها يحتسب بالثواني، تحت الضغط النفسي والعاطفي، دون احتساب فارق التوقيت بين حضور الحاضر بالصدفة أو الواقع، وبين متنقل يكابد زحمة المرور، متأخرا عن اللحظة بالدقائق التي يأخذها وصول الإبلاغ إليه..
ومن أجل مواكبة أسرع توجد في المستشفيات الرسمية الرئيسية مراكز شرطة، للتعامل مع مثل هذه المواقف.