يبدو أن نهاية العدواني الصهيوني، المدعوم أمريكيا وغربيا، على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس، لن تلوح في الأفق المنظور.
توقعاتي، وأرجو أن أكون مخطئا، أن يتسع حجم الدمار والقتل والتشريد بشكل فظيع في قطاع غزة خلال الأسابيع، وربما الأشهر المقبلة، وهو ما سيرشح المنطقة لاتساع دائرة الحرب التي ستستدعي تدخلات عسكرية مباشرة داعمة لإسرائيل، خاصة من قبل الولايات المتحدة، التي ستسعى لتشكيل حلف غربي داعم.
بالمقابل ستتدخل أذرع إيران في المنطقة، بشكل فعلي وفاعل، لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية دون تدخل مباشر من طهران، وذلك حينما تقتنع بأن أكل "الثور الأبيض" في غزة يعني التفرغ لأكل بقية ثيران المنطقة، وأولهم حزب الله.
وستحاول إيران وتركيا والصين وروسيا، وإن بدرجات متفاوتة وغير مباشرة، إمداد المقاومة في لبنان والعراق واليمن، وفي غزة إذا أمكن، بالسلاح، وبالدعم الدبلوماسي من خلال التصريحات النارية ضد المعسكر الغربي، وكشف الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان في غزة والضفة الغربية، ولاحقا في لبنان والعراق وسوريا واليمن، باعتبارها ساحات حرب محتملة.
أما تركيا، المقيدة بعضوية الناتو، فستناصر المقاومة انطلاقا من التزاماتها المبدئية، لكن الصين وروسيا وإيران سيعتبرون الحرب فرصة ثمينة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة.. فالصين تعاني من تبعات حرب اقتصادية صعبة مع واشنطن، التي تدعم انفصال تايوان بكل الوسائل.. وروسيا تجد نفسها عاجزة عن حسم معركتها في أوكرانيا بسبب الدعم الغربي السخي لكييف.. أما إيران فهي معنية بما يجري في الشرق الأوسط بشكل مباشر، وقد أعدت العدة، منذ عقود، لمثل هذا اليوم.
إن الرئيس الأمريكي يبدو اليوم في وضع لا يحسد عليه، فقد ذهب بعيدا في دعم أوكرانيا ضد روسيا، وقطع اشواطا كبيرة في منع بيجين من تطبيق مبدأ "الصين واحدة"، واستعد جيدا لتقليم أظافر إيران في المنطقة، ومضى مسرعا في طريق المؤامرات التي تحاك ضد تركيا.. ومع ذلك تصرف بتعال وإهمال، وربما احتقار، مع حلفائه في المنطقة، حيث طالبهم بتولي كبر نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، وهو ما اضطرهم لأن يُسمعوه ما لا يسره، ويتصرفوا معه بما لا يليق بمقامه كرئيس أكبر وأقوى دولة حليفة لهم عبر العالم، وذلك عندما أبلغوا رسوله، "اليهودي" بلينكن، برفضهم تهجير سكان قطاع غزة، وحينما أبلغوه بإلغاء اجتماعه مع ثلاثة منهم في عمَّان، كتعبير عن الغضب من قصف جيش الاحتلال لمستشفى في قطاع غزة، حيث سقط مئات الشهداء.
ما يُقلق الغرب الآن في العدوان المتواصل على قطاع غزة، عكس الاعتداءات السابقة، هو أن الجولة الجارية تأتي على خلفية الضربات الموجعة التي وجهتها حركة حماس وفصائل المقاومة للجيش الصهيوني في القطاع الجنوبي فجر السابع من شهر أكتوبر الجاري، وهو ما حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ورابع جيش في العالم، وذلك في ظل أكثر حكومات تل أبيب تشددا وتطرفا.
معركة اليوم بالنسبة لطرفي الصراع، الكيان الصهيوني وحماس، تعتبر مسألة حياة أو موت، وبالنسبة للغرب فإن خسارة "إسرائيل" لهذه الجولة من التصعيد لن تكون كهزائمها السابقة أمام فصائل المقاومة، لأنها تعني نهاية الحلم، وخسارة الهدف الاستراتيجي الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة وأوروبا لعشرات السنين.
لذلك، نرى الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو الديمقراطي الذي اختلف مع نتنياهو كثيرا بسبب تطرف الأخير وتعنته ضد اتفاقية أوسلو ومبادرات السلام، ودعمه للتوسع الاستيطاني.. نراه يتحول، بين عشية وضحاها، يمينيا متطرفا قاتلا، وظهيرا قويا لنتنياهو في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضد المدنيين العزل في قطاع غزة.
صحيح أن بايدن سيواجه متاعب كثيرة في بيته الداخلي بسبب مواقفه المشينة، والتي ضربت مبادئ الحرية وحقوق الإنسان عرض الحائط، ولطخت سمعة واشنطن لدى أحرار العالم، لكن اندفاعه الأعمى خلف المتطرفين الصهاينة يبقى، في النهاية، موقفا منسجما مع المصالح الاستراتيجية لبلاده منذ أكثر من سبعين عاما.
أعتقد أن الغرب سيتداعى بشكل فوري وطارئ لإنقاذ الكيان الصهيوني من غصة "طوفان الأقصى"، وهو يدرك أن ابتلاعها مستحيل وقيؤها غير ممكن، ولا مخرج منها إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر، بعيدا عن التسويات والاتفاقيات التخديرية التي لم تجلب للطرف الفلسطيني غير القتل والتنكيل وقضم الأرض وتدنيس المقدسات.
إن نهاية العدوان الجديد على غزة، لن تتم بدون أن تغير من خارطة المنطقة، ومن مفاهيم ومسلمات الحرب، وربما تكون المسمار قبل الأخير الذي يدق في نعش الكيان الصهيوني، وستشكل نهاية الرهان الغربي الخاسر على "إسرائيل" كحليف استراتيجي في المنطقة، لكن بعد فوات الأوان.. فقد تكون نهاية حلم الرهان الأمريكي- الأوروبي بداية لتجسيد حلم آخر طالما راود شعوب المنطقة منذ عقود خلت.
سيدي محمد يونس