الوئام الوطني ـ تجرى الحملات الانتخابية في السنغال على قدم وساق حيث تشهد شوارع البلاد مسيرات بالسيارات وتنظيم لقاءات انتخابية وطرق لأبواب الناخبين قبل أيام قليلة من بدء الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الأحد (24 مارس الجاري).
وبسبب الجدل الذي أثاره قرار الرئيس ماكي سال بتأجيل الانتخابات التي كانت مُقررة أواخر الشهر الماضي، فقد مُنح المرشحون فترة أقل من المعتاد لتنظيم حملاتهم الانتخابية إذ لم يكن أمام المرشحين التسعة عشر سوى أسبوعين لكسب ود سبعة ملايين ناخب يحق لهم التصويت في الانتخابات.
ويقول مراقبون إن باسيرو ديوماي فاي، أحد قادة حزب "باستيف" المعارض، يعد المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية، رغم أنه لم يكن أمامه الكثير من الوقت لحشد الأصوات حوله.
يُشار إلى أن باسيرو ديوماي فاي كان معتقلا منذ أبريل العام الماضي، لكن أٌطلق سراحه مطلع الشهر الجاري بموجب قانون أقره البرلمان قبل أسابيع قضى بالعفو عن "الأفعال" المرتبطة بالاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية.
وعقب الإفراج، لم يكن أمام باسيرو سوى ثمانية أيام فقط لتنظيم حملات انتخابية. الجدير بالذكر أنه جرى تقليص الحملات الانتخابية بحُكم الأمر الواقع من ثلاثة أسابيع إلى أسبوعين على أن تنتهي منتصف ليل 22 مارس الجاري.
أمادو باه.. مرشح ماكي سال
ويخوض الغمار الانتخابي رئيس الوزراء السابق أمادو باه الذي أقدم ماكي سال على إقالة حكومته لإفساح المجال أمامه لخوض المعركة الانتخابية حيث يعد أمادو باه المرشح المفضل لرئيس البلاد المنتهية ولايته.
وتولى أمادو باه في السابق حقيبة الخارجية والاقتصاد. كما أنه يحظى بتاريخ طويل في تولي المناصب العليا في البلاد فيما تحمل حملته الانتخابية شعار "الرخاء المشترك".
وقبل أن يُقدم ماكي سال على إرجاء الانتخابات التي كان من المقرر أن تُجرى الشهر الماضي، كان يُتوقع أن يفوز أمادو باه بالانتخابات، لكن قرار تأجيل السباق أدى إلى إثارة مشاعر الإحباط بين السنغاليين ضد ائتلاف "بينو بوك ياكار" أو "متحدون من أجل الأمل" الحاكم في البلاد.
وفي مقال نشره موقع "ذا كونفرسيشن"، كتبت إيمي نيانغ، الباحثة في الشؤون الأفريقية، أن أمادو باه "آثار القليل من الحماس بين الناخبين لأنه يرمز إلى الوضع الراهن. وبسبب كونه مرشحا ثريا، فإنه يواجه مهمة صعبة في كسب ود الناخبين الفقراء".
يشار إلى أن ثلاثة من كل خمسة من سكان السنغال البالغ عددهم حوالي 18 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر رغم الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة.
باسيرو ديوماي فاي .. الشهرة بعد الاعتقال
جاء الإفراج عن باسيرو ديوماي فاي برفقة المعارض السياسي البارز عثمان سونكو الذي كان يخضع لحكم صدر عليه غيابيا بالسجن لمدة سنتين في الأول من يونيو/حزيران الماضي بتهم بينها الدعوة إلى التمرد وإفساد الشباب.
واتهم باسيرو، الذي يعد الساعد الأيمن لسونكو، بازدراء المحكمة والتشهير والشروع بأفعال زُعم أنها تهدد السلم العام فيما جرى اعتقاله في أبريل / نيسان العام الماضي بعد نشر رسالة اُعتبرت مسيئة للنظام القضائي في البلاد.
ولم يكن باسيرو، وهو مفتش في هيئة الضرائب ويبلغ من العمر 49 عاما، معروفا بشكل كبير في البلاد قبل أن يحصل على دعم من عثمان سونكو الذي يعد رأس حربة المعارضة في مواجهة السلطة منذ 2021. وكان يُنظر إلى سونكو على أنه المنافس الرئيسي للحزب الحاكم بزعامة ماكي سال، قبل أن يتم استبعاده من الترشح بسبب إدانته بالتشهير.
وفي دليل على قوة حضور سونكو في الشارع السنغالي، نزل الآلاف إلى شوارع دكار للاحتفال والغناء والرقص مع انتشار نبأ إطلاق سراحه حيث كانوا يهتفون "نحن نحب سونكو". وتحمل حملة باسيرو ديوماي فاي الانتخابية شعار "ديوماي هو نفسه سونكو".
وتعهد باسيرو ديوماي فاي بمحاربة الفساد وإعادة التفاوض على العقود التي أبرمتها الحكومة الحالية مع شركات في مجالات الطاقة والتعدين وحتى صيد الأسماك. وأخذ مسؤولو حملة باسيرو ديوماي فاي الانتخابية الأمر على محمل الجد، بحسب فاتو بينتو سار، إحدى الشخصيات القائمة على حشد أصوات النساء. وفي مقابلة مع DW، قالت "نقوم بطرق الأبواب بيتا بيتا كل مساء من الساعة السادسة وحتى العاشرة مساءً. قمنا بالفعل بتغطية بلدات بأكملها. نحتاج الآن فقط إلى تحفيز الناس للذهاب للتصويت."
أنتا بابكر نجوم.. المرشحة الوحيدة
ويخوض الانتخابات الرئاسية رئيس الوزراء السابق إدريسا سيك وعمدة دكار السابق خليفة سال فيما تعد سيدة الأعمال أنتا بابكر نجوم ذات الأربعين ربيعا، المرأة الوحيدة التي تخوض الغمار الانتخابي. وفي مقابلة مع DW، قالت فاتو سيلا، مديرة حملة أنتا بابكر نجوم، إنه "لا يمكن الحديث عن تنمية السنغال دون الحديث عن دور النساء والشباب. نجوم ليست امرأة فحسب، وإنما هي أيضا شابة وسيدة أعمال، لذا فنحن فخورون بها."
انتخابات رمضانية
ستكون انتخابات الأحد المقبل الأولى التي تجرى خلال شهر رمضان في السنغال ذات الأغلبية المسلمة.
وفي هذا السياق، دعا إمام "المسجد الكبير" في العاصمة داكار، إلى الالتزام بروح رمضان. وقال للمصلين: "لا يجب أن تفطروا وتقضوا اليوم في السير مع مواكب السيارات وإلقاء الشتائم أو القيام بأفعال من شأنها تعريض السلام الاجتماعي واستقرار البلاد للخطر".
بدوره، قال الخبير في شؤون الانتخابات في السنغال، الحاج سيدو نورو ديا، أن تحقيق نسبة مشاركة عالية سيشكل تحديا خلال شهر الصيام، لكنه قال في حديث لـ DW: "إذا تحلى كل ناخب وناخبة بالحماس والرغبة بالمساهمة في تنمية البلاد، فلا ينبغي أن يكون الصيام عائقا أمام الخروج للتصويت". وشدد على أن "كل ناخب وناخبة يتحمل مسؤولية اختيار الرئيس".
العالم يراقب أجواء الانتخابات
تعد السنغال واحدة من أكثر دول غرب أفريقيا تمتعا بمسار ديمقراطي مستقر، إذ شهدت ثلاث عمليات انتقال سلس وسلمي للسلطة، ولم يعصف بها أي انقلابات عسكرية على النقيض من دول غرب أفريقيا الأخرى.
ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، تشهد السنغال انتخابات رئاسية منتظمة، لكنها انزلقت نحو أزمة سياسية تفجرت عقب قرار الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة أواخر الشهر الماضي. لكن التقويم الانتخابي في السنغال - الذي توقف لفترة وجيزة - عاد إلى مساره الطبيعي بعد أن أعلن ماكي سال تاريخ الجولة الأولى للاستحقاق الرئاسي في 24 من مارس الجاري.
وقد حظى الإعلان عن موعد الاستحقاق على موافقة المجلس الدستوري الذي يعد أعلى هيئة انتخابية في البلاد والذي أصدر قرارا تاريخيا قضى بعدم دستورية القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية/ البرلمان في الخامس من فبراير الماضي والمتضمن إرجاء الانتخابات لمدة عشرة شهور، اي حتى ديسمبر: القادم وإبقاء الرئيس في منصبه إلى حين انتخاب خلف له.
ونص قرار المجلس الدستوري على ضرورة إجراء الانتخابات قبل الثاني من أبريل 2024 وهو موعد انتهاء ولاية سال الرئاسية. وفي تعليقه على ذلك، قال جبريل غنيجي، المدير التنفيذي لـ "منصة المجتمع المدني الفعال من أجل شفافية الانتخابات" في السنغال، إن التحدي الذي يواجه البلاد في الوقت الراهن يتمثل في العودة إلى إجراء "اقتراع سلمي ونزيه وشفاف يحترم الجدول الزمني للانتخابات".
الوئام + وكالات