القاضي العلامة محمدّن بن محمذن فال بن أحمدو فال (1310-1400) هـ الموافق (1892 -1979) م:
هو العلامة المتفنن والقاضي العادل محمدن الملقب يحي بن القاضي محمذن فال الملقب لمرابط بن أحمدو فال بن إميجن بن عبد الله بن محنض بن أحمد، التندغى الحلي وأمه هي مريم الملقبة مِيمِّ بنت سيد أحمد الملقب آدَّه بن محمدن بن سيد أحمد بن أشفغ الدنبجه، يلتقي نسب والديه عند جدهما المشترك الدنبجه الأكبر بن عبد الله الجد الجامع.
ولد في عام 1310 هـ/ 1892 م في مرابع قومه في الضواحي الشرقية أو الشمالية الشرقية من مقاطعة بوتلميت شرق اترارزه، في بيت يكفي أن لمرابط بن أحمدو فال مُحتبٍ بفِنائه...
في هذا البيت الحلي الصاخب بالعلم والعمل، والمضمّخ بالمُثل والأخلاق الأحمدّو فالية المتفردة، والمرتدي حُلة المجد والسيادة من طرفيه، نشأ محمدن القاضي وفي يمينه لوح وداوة وفي يسراه قلم، وسرعان ما بدت على الطفل سِمات النجابة والنبوغ، فأكمل حفظ القرآن قبل سن الثامنة، واشتغل بالعلم وانكب على الدرس والتحصيل دون كلل ولا ملل، فتصدّى للمتون الكبيرة وقرض الشعر قبل سن البلوغ، وجلس للتدريس بين يدي والده قبل سن العشرين وتقلد القضاء في سن الثالثة والثلاثين... وتحمل أعباء القضاء، فضلا عن أعباء التدريس والإفتاء والتوجيه والإرشاد زهاء خمس وخمسين سنة.
ومن أبلغ وأشمل ما وصف به، ما كتبه فيه ابن عمته -ولا يُنبئكَ مثلُ خبيرٍ-عالم الشعراء وشاعر العلماء مبركٌ الملقب موناك ولد مبركٌ (ت. 1358 هـ)، حين كتب:
"نشأ بين يدي أبيه يحلى ظاهره بالأدب والعلوم الظاهرة، ويحلى باطنه بالمعارف والأنوار الباهرة، إلى أن حصّل ـ ولله الحمد ـ من العلوم ما تغار منه الفحول، وتحار فيه العقول، وجمع بين المعقول والمنقول، واشتغل بالنظر والتدريس في حياة أبيه، حتى صار ليس له من شبيه... ثم بعد وفاة أبيه رضي الله عنه، أنزلته قبيلته خِطة القضاء، وطاب به الزمان وأضاء، فأتقن ـ ولله الحمد ـ بالعلم والأدب والورع أمره، إذ العوان لا تعلم الخمره، وصار محط رحال المستفتي والسائل، وجعلوه كعبة تطوف بها الفتاوى والمسائل، فحل مشكلاتها وروض صعابها، ومكة أدرى أهلُها بشِعابِها..."
يكاد يكون والده -درة تاج علماء زمانه- محمذن فال بن احمدو فال شيخه الأوحد، غير أن انتفاعه ببعض علماء حضرة والده أو غيرهم من علماء عصره ممكن بل مؤكد، وممن رُوي انتفاعه به وأخذه عنه:
- القارئ محمد الأمين الملقب حميين ولد بدى العلوي (ت. 1963 م) الذي أخذ عنه الإجازة في القرآن،
- محمد ولد بدى العلوي، الذي أخذ عنه المنطق وأبوابه،
- يحظيه ين عبد الودود (ت. 1959 هـ)
- موناك بن مبركٌ...
وكان القاضي محمدن قد همّ في مرحلة من مراحل طلبه العلمَ بالتغرب في سبيل ذلك، غير أن والده أوْعز إليه بالبقاء معه، ونصحه بالعدول عن الرحيل عنه، وضمن له تيسير الطلب وتسخير التحصيل، إن لزم غرْزه واختار صحبته، فامتثل الولد البار نصيحة والده وحقق رغبته الجامحة، بعد أن طاف -حسب بعض المصادر- لِماما بمحظرة ِالعلامة المتفنن يحظيه ين عبد الودود، لكن الفتى ما برح أن عاد إلى حضن محظرة والده وشيخه، فحصلت له بذلك كله بركة عظيمة وخير لا نهاية له، وسرعان ما بَذّ الفتى الموهوب أقرانه وتخطى بمراحل عديدة أترابه وخلانه، وزاحم في الصدارة أشياخه ومدرسيه، حتى وصل درجة مبهرة من التعمق والتوسع العمودي والأفقي في مختلف الفنون، ترجمتها وأعلنت عنها مؤلفاته المفيدة الشاملة وتصانيفه الكثيرة الرائجة، وقد بارك الله في وقت الشيخ وعمله بشكل ينتزع الدهشة والإعجاب، فقد كان مدرّسا تغص محظرته بالطلاب الوافدين من كل الآفاق وقاضيا ومفتيا تزدحم حضرته بالمتقاضين والسائلين وذوي الحاجات ومربيا تهوي إليه أفئدة المريدين، ومع ذلك كان يجد الوقت الكافي لتأليف ونظم وشرح كل تلك التصانيف الفائقة الدقة ومتعددة التخصص، كل ذلك في ظل حياة بدوية غير مستقرة، مرهونةَ البقاء بظروف مناخية قاسية تحتم الترحال الدؤوب خلف مساقط القَطر ومنابت العشب... فتبارك الله أحسن الخالقين.
سوف نستعرض هنا ما تيسر من أسماء بعض مشاهير تلامذة محمدن القاضي، وبعض من انتفع به ممن أصبح له شأن مذكور وقدْر مكين، مع استحالة الحصر والإحاطة، ثم نذكِّر بمؤلفات الشيخ المنشورة وغير المنشورة ونضرب بعض الأمثلة السريعة من فتاويه وأنظامه وأشعاره.
أما أشهر التلاميذ فنذكر منهم:
• سيدي محمد بن محمد بن آبه العلوي (ت. 1415هـ موافق 1995م)
• القاضي محمد يحي بن محمد الدنبجه التندغي (ت. 1399 هـ موافق 1979م)
• محمد يحي (الدّخيَ) بن محمد الحافظ بن أحمدو فال التندغي (ت. 1424هـ موافق 2003 م)
• اكليكم بن محمدو بن متالي التندغي (ت. 1426 هـ موافق 2005م)
• الأستاذ الدنبجه بن معاوية التندغي (ت. 1417هـ موافق 1997م)
• أحمدو بن محمد خالد بن أحمدو فال التندغي (ت. 1411هـ موافق 1991م)
• محمد فال بن القاضي بن أحمدو فال التندغي (ت. 1397 هـ موافق 1977م)
• أحمدو فال بن محمد الحافظ بن أحمدو فال التندغي (ت. 1438 هـ موافق 2017م)
• القاضي محمذن فال بن القاضي بن أحمدو فال التندغي (ت. 1412 موافق 1991 م)
• محمد المصطفى بن النَّدى الإجيجبي (ت. 1420هـ موافق 2000م)
• الشيخ محمد المصطفى بن الشيخ أبي المعالي التاكاطي (ت. 1429 هـ موافق 2008 م)
• محمد محمود الملقب حمود بن عبد القادر بن الرباني التندغي (ت. 1415هـ موافق 1995م)
• الشيباني بن أشفغ الإجيجبي
• محمد محمود الملقب بن أحمد يوره بن الرباني التندغي
• محمد بن سيدي بن دحان
• الشاعر محمد الحافظ أحمدو التندغي...
أما آثاره، المحققة وغير المحققة فنذكر منها:
1. ديوان شعر، جمعه وحققه الأستاذ أحمد بدي بن أحمدو فال، المدرسة العليا للأساتذة، نواكشوط 79-80
2. نظم أيام العرب، حققه الأستاذ محمد الحافظ بن الطلبة، المدرسة العليا للأساتذة 81-82
3. توشيح طرة ابن بون ج1، حققه الأستاذ محمد خالد بن عالي، المدرسة العليا للأساتذة 85-86
4. توشيح طرة ابن بون ج2، حققه الأستاذ محمدي فال بن بوَّ، كلية الآداب، نواكشوط 85-86
5. نقلة أدبية، حققتها الأستاذة السالكة بنت اسنيد، كلية الآداب 85-86
6. نظم في المقرأ، حققته الأستاذة أم الفضل بنت عبد القادر، كلية الآداب 86-87
7. قصائد في المديح، حققها الأستاذ أحمدو فال بن غالي، كلية الآداب 87-88
8. نظم القوافي، حققه الأستاذ محمد الحافظ بن الحاج، كلية الآداب 87-88
9. نظم أمثلة العرب، حققته الأستاذة مريم بنت الْبىْ، كلية الآداب 87-88
10. نظم المثلث، حققته الأستاذة عيشة بنت سيد محمد، كلية الآداب 87-88
11. نظم البيان، حققه الأستاذ محمد خالد بن أحمدو، كلية الآداب 90-91
12. الديباجة، حققته الأستاذة أم الخير بنت محمد سالم، كلية الآداب 93-94
13. نظم حوادث السنين، حققه الأستاذ أمانة الله بن حبيب الله، المعهد العالي، نواكشوط 86-87
14. نوازل الإحياء، حققه الأستاذ محمد حرمه بن الطالب محمد، المعهد العالي 86-87
15. الفرج بعد الحرج، حققه الأستاذ عبد الرحيم بن الإمام، المعهد العالي 88-89
16. نظم فضائل الأعمال، حققه الأستاذ إبراهيم بن سيدي بن مأمون، المعهد العالي 88-89
17. تبصرة الجاهل، حققه الأستاذ محمد أحمد بن سيدي، المعهد العالي 88-89
18. نظم الجمعة، حققه الأستاذ أحمد بن حبيب الله، المعهد العالي 88-89
19. نظم الأخضري، حققه الأستاذ محمد المختار بن محمد أحمد، المعهد العالي 88-89
20. نظم البيع، حققه الأستاذ محمد الحافظ بن حمان، المعهد العالي 89-90
21. نظم توشيح ابن بري، حققه الأستاذ أحمدو بن محمدي، المعهد العالي 93-94
22. نظم الناسخ والمنسوخ، حققه الأستاذ محمد الأمين بن محمد، المعهد العالي 2000-2001
23. نظم الشمـائل، حققته الأستاذة عيشة بنت أحمدو فال، المعهد العالي 2005-2006
24. نظم الفـرائض، حققته الأستاذة رقية بنت أحمدو فال، المعهد العالي 2005-2006
25. شرح نظم للمرابط محمذن فال بن أحمدو فال في الفقه
26. نوازل في الفقه مرتبة على أبواب خليل
27. شرح نظم الأصول
28. تنبيه الإخوان
29. نقلة حول أسنى المسالك
30. نقلة في جواب عشر مسائل
31. نقلة في عدم ترك النصوص
32. نقلة في أحكام الجمعة
33. نظم في المنطق محاذ للسلم
34. شرح ديوان غيلان ذي الرمة
35. شرح الشمقمقية، لابن الونان
36. نظم على الخط
37. نظم على العروض
38. نظم في البيان
39. تأليف في البلاغة
40. نظم في التاريخ الإسلامي
41. نظم شامل لحساب الزمن والنجوم
42. أربعة أنظام في التصوف...
اما فتاوى فضيلة القاضي محمدن فمنها:
أ- سئل عن رجل طلق زوجته، فلما مضت أعوام أكثر من خمس سنين أتت بولد، والطلاق لم يَحكُم به قاض، فأجاب بأنه لاحقٌ به لعدم انقطاع العِصمة بالحكم، وذلك لحق الولد لأن الشهود إن كان قد أشهدهم يحتمل نسيانهم أو جرحهم، كما هو منصوص في المواق والحطاب عند قول خليل في الخلع...
ب- وسئل عن إقامة صلاة الجمعة في ظل الخلاف، فقال:
إن خِيفَ بالجمْعة من ضغائن
والحقدِ من أجل اختلاف كائن
يُمنع فعلها وظهرٌ يجب
وفعلها وحال منع يصحب
كفعلها يوم الخميس فاحذروا
أن تبطلوا صلاتكم وحذِّروا
ذكَر ذا الشروحُ باب الجمعةِ
وبعضه سُبق في الإمامةِ
إصلاح ذات البينِ ليس يُعدل
قد ودَّ جبريل له لو ينزل
والعكس لا يَكِله على بنيهْ
إبليس إذ نابوه فيما يرتضيه
وفقنا الإله كلا ذو الجلال
صلى وسلم على النبي والال.
ت- وسئل عن رجل تزوج امرأة، فقالت امرأة قد أرضعته أنها أرضعت أبا الزوجة، ولم يوجد لذلك الرضاع إلا هي، وقال الأب المذكور إنه كان يعمل بذلك الرضاع بقولها هي فقط وحصل فشوٌّ من أجل ذلك، فأجاب بأن هذا لا حكم له شرعا ولا يقع به خلل في العِصمة، لأن المرأة الواحدة ولو كانت موصوفة بالعدالة المشهورُ أنها لا تثبت الرضاع وإنما يُندب التنزه فقط، وأما تعميل الرضاع من أجل شهادة الواحدة فلا يثبته، فالحاصل أن النكاح على صحته الأصلية وهذا متواتر في الكتب المعتمدة، والمصافحة لا يكون بها الإقرار إن تبين ثبوت الرضاع لأن الإقرار الشرعي بالقول لا بالفعل، قال يحي (لمرابط) رضي الله عنه:
الإقرار بالرضاع بالقول ولا -- يكون بالتصافح الذْ يفعلا
ث- وسئل عن وضوء النافلة، هل تصلى به الفريضة أم لا؟ فأجاب بأن النافلة إن كانت مما تشترط له الطهارة كالصلاة ومس المصحف وتلاوة الجنب فمن توضأ لها فله صلاة الفرض وصلى النوافل كلها وإن كانت مما لا تشترط له الطهارة كتلاوة المحدث حدثا أصغر وتعلم العلم وتعليمه وزيارة العلماء فمن توضأ لها لا يتنفل بذلك الوضوء أحرى الفريضة على المشهور وقيل يصلي به، ففي الحطاب عند قول خليل: واستباحة ما ندبت له... وقد قلت:
تيمم النفل به يتلوا الجُنب -- بمس مصحف وللفرض اجتنب
قلت وفي الوضوء من توضا -- لنفله صلى بذاك الفرضا.
ج- وقال في حلق اللحى:
حلق اللحى محرم ولو جرى -- عرف به، النفراوي منه حذّرا
قال الأئمة جميعهم على -- تحريمه فالشرع عنه عدلا
وقال ما للجند من أمر الخدم -- به عن السنة حادَ فحرُم...
فالعرف إن وافق شرعا عملا -- به من الشرع وإلا حظلا.
ح- ويقول في شأن الملك العقاري التقليدي للأرض:
واعلم بأن الأرض بالإحياء
تُملك والميراثِ والشراء
وبالتبرعات، فالأحياء
عن الثقات، سبعةٌ أشياء
الحفر والغرس، البنا، قطع الشجر
تحريك الأرض، حرثها كسر الحجرْ
أقرها خليل في المختصر
ومالك بالإرث والشرا حَرِ...
قلت وكون هذه البلاد
يجري بها ذا الحكم دوما باد
لأن أهلها بها توطنوا
منذ قرون ما لهم توطن
إلا بها، وكل من عنها خرج
منهم فما يخرج إلا لحرج
وهو على نية الارتجاع
كتاجر أو صاحب انتجاع
وأسسوا الآبار بالأحجار
لنية التأبيد بالآبار
توارثوها زمنا بعد زمن
وحفروا وحرثوا طول الزمن
إن لم يكن لهم بذا تملك
لهذه، فليس شيء يملك...إلخ.
كانت للقاضي محمدن قبعات أدبية عظيمة وملكات شعرية رائعة لا تقل أهمية ولا إبهارا عن قبعاته العلمية الطاغية التي كسفت شمسُها ما سواها من ملكات ومواهب.
تميز شعر الشاعر محمدن القاضي بأنه يدور أساسا في فلك المديح النبوي، ومدح الأنبياء والأشياخ ورجال الدين، وكان لافتا تركيزه على موضوعات الوعظ والإرشاد والتوجيه بما يتناسب مع شخصية الشاعر وأدواره الاجتماعية والدينية وما يمليه عليه واجبه كقائد وقدوة يتفاعل الناس مع أقواله ويتأسون بأفعاله، وهذه أمثلة سريعة من إنتاجه الشعري.
يقول في استنهاض قومه للوقوف في وجه العادات المخالفة للشرع:
مني سلام كوصل الخرد العين
وكالمحاسن من ريا وميسون
فاق الجمان على اللبات منتظما
والدر إذ لاح بين الميم والسين
يعم أحيا حلال الأربعين فهم
أهل الهدى والندى والعلم والدين
يشكو عوائد عن دين الهدى عدلت
فداركوا دينكم إن سيم بالهون...
إلخ.
ويقول في شأن ما يكابده في القضاء والفتوى من عنت العامة وعذلهم واختلاف أهوائهم وأغراضهم:
أيا لائمي إن دمتُ مستصحب الفتوى
على مالك، لم اتخذ دونه سلوى
خذ العذر لولا الناس تُلزمني الفتوى
وفصل قضاء ربما صادف الألوى
لساعدت أهل اليوم، لكن جلهم
رماه بسهم، لكن السهم قد أشوى
فلولاهما لازمت كتْبا حديثها
صحيح، ولكن أكثروا الجهر والنجوى
فمن سائل عن صومه وصلاته
ونكح وبيع والتشاجر في الدعوى
فمن صد عنهم كلفوه بحقهم
وقالوا له قصرت فينا اصحب الفتوى
ألم يكُ ذا فرضا فإن كنتَ معرضا
فلا نقبل الإعراض عمدا ولا سهوا...
ولو غادروني تاركين حقوقهم
لما كابدتْ نفسي قضاء ولا فتوى
وصرت لنفسي في الأحاديث معملا
زماني وخليتُ الورى والذي يهوى...
إلخ
ويقول في حث الشباب على التعلم:
تحــيةَ وامِــقٍ ما خَصَّ خِــــلّا
تَعُمُّ شــــبابَ هذا العصــرِ كُلّا
فَما سُعْدى تُعَيِّنُ عن سعيـــدٍ
ولا ليلى تُخَصَّصُ دون جُملا
إلى الألواحِ فانتَــدِبوا تَفُــوزوا
بما أَوصى العَلِي رُسْلاً فرُسْلا
وبالقـــلمِ التَّعـــلُّمُ لا تقولـــوا
عَلِـــــمنا دُونَه نَهْـــلاً وعَـلّا
مِـدادُ الحِــبرِ عندَ اللهِ يَحكِي
دَمَ الشُّهداءِ بلْ من ذاك أعْلى
بعد عُمر بارك الله فيه وبارك في صاحبه، حافل بالعطاء والإنجاز، توفي فضيلة القاضي محمدن بن أحمدو فال وقت السحر من ليلة الخميس تاسع محرم عام 1400هــ، الموافق لــ 29 نوفمبر عام 1979 م على الساعة الثالثة والنصف صباحا، في منزله العامر بحاضرة علب آدرس ونقل جثمانه الطاهر إلى مقبرة انواتيل الشهيرة على بعد 15 كم شرقي علب آدرس ودفن إلى جانب والده محمذن فال وثلاثة من أجداده المنعمين بإذن الله.
يقول الأستاذ العلامة الدنبجه بن معاوية في رثائه:
لعمرك ما غير الإله بدائم
وما العيش إلا مثل أحلام نائم
فما ميت عما قليل بميت
وما سالم عما قليل بسالم
ولكن موتَ الحبر يحيى محمدٍ
له ما له بين الحشى والحيازم
قضى عمره للمسلمين مسالما
ولـــكنه للمـــال غـير مسـالم
إذا جـــئتَه مستجدِيًا منه حــاجة
تسلّيتَ في أوس بن لامٍ وحاتم
وإن جئتَه في المشكلات وجدتَه
وما مثــله من عــالم أي عــالم
ومــا هـو إلا مالك وابن مالك
وما هـو إلا قــاسم وابن قـاسم
فلا عبقري اليوم يفري فريّه
إذا التبست يوما وجوه الخصائم
وإن خَــطَّ في حُكمِ حُروفًا فإنـها
مسلَّـمةٌ من كل قــاضٍ وحاكــم
مضى الرجل الفرد الذي كان يمنه
كفاحا لأيام النحوس الأشائم...
سقى جدثا فيه يقيم محمدٌ
بذي السرح صوب الساريات الحناتم...
إلخ.
ومما قيل في رثائه، قول الإمام محمد محمود بن أحمد يوره الرباني من قصيدة مطلعها:
أيحيا أخو الإسلام، كيف إذن يحيا
وقد فقد الإسلام ناصره يحي؟
ويقول الأديب محمد عبد الرحمن بن الرباني في مطلع مرثية من الشعر الحساني:
فامنين انْعَ محمدن -- ليلتْ لخميس الناعونَ
كلتْ انا للـــه وإنْــ -- نا إليه راجــــــــعونَ.
إنا لله وإنا إليه راجعون، سقى الله جدثا ضم جسد فضيلة القاضي محمدن حناتم تغدو وتروح بالعفو والرضوان والرحمات وبارك في آل بيته وجميع عترته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.