العلامة عبد الودود بن الشيخ محمد أحمد بن الرباني(1311 -1401) هـ:
العلامة محمد عبد الودود الملقب بيدَّه بن الشيخ محمد أحمد بن الشيخ محمد بن محمود بن الرباني التندغي الحلي، أمه فاطمة بنت محمد المختار بن محمذن بن سيد أحمد بن أشفغ الدنبجه، يلتقي نسب والديه عند عبد الله بن اكر الجد الجامع لأغلب البطون الحلية وبعض إخوتهم الغربيين.
ولد في حدود عام 1311 هـ/ 1893 م على ساحل المحيط الأطلسي في الجهة الشمالية الغربية من البلاد في بيت محكم البناء وقوي الدعائم، بيت أسّس على التقوى والعلم والمروءة من أول يوم، فضلا عن شرف النسب ونُبل الحسب وطِيبِ المحتد وطارف المجد وتليده... تسلسل العلم والفضل والسيادة في آباء الشيخ من كل أطرافه فجمع الله فيه ما تفرق فيهم من خير وبركة...
بدا منذ الوهلة الأولى أن الطفل النجيب محمد عبد الودود طفل مختلف عن بقية أترابه، زاهد فيما عندهم من لهو ولعب، مقبل على لوحه وكتبه ودروسه راغب فيما عند والده وشيخه، وهكذا وصل بسرعة فائقة إلى مصاف النخبة من أهل العلم والفضل والأدب، يقول الشيخ أحمدو بن الشيخ محمدو بن حبيب الرحمن في شأنه من رسالة بعث بها إلى صديقه الشيخ محمد أحمد والد الفتى محمد عبد الودود:
اعلم عليك سلام ذي الإكرام ما
راج الهدى والعلم دون كساد
أني حمدت على لقاء محمد
عبد الودود الله مولي الايادي
وبدا لي المصداق من قول امرئ
متقدم عنه روته نوادي:
"نعم الإله على العباد كثيرة
وأجلهن نجابة الأولاد"
ويقول الشيخ بن اعليّه التناكي طفولته بقوله:
عبد الـــودود الصّبابَ -- منها دار ألّا لمْـــهابَ
وادْخل عنها هك افْغاب -- غابتْ علم وفيها فان
وامْع كـــومُ ما يتغابَ -- فالدسوقي والبنّــاني...
عبد الودود اݤْبَظْ تاريخْ -- فالعلم ابّاتُ سيّـــــانِ
فالعلم أذاكْ العلم اسِيــخْ -- فاوْلادْ العلم متْــݤَانِ
عبد الودود اذاك امْخِيخْ -- بُوهْ الشيخ اعلمُ هانِ
والشيخ امَّلِّ بوهْ الشيخ -- محمــــد ولْ الرّبانِي.
لا يعرف للشيخ بيدّه شيخ في العلم سوى والده الشيخ محمد أحمد الذي ظل ملازما له، بل كان الابن لا يطيق فراق الأب إن غاب أحدهما عن الآخر لسبب من الأسباب، يقول في وصف جلسة الشاي المقدسة عند جيله عندما يغيب عنها والده:
شرب الأتاي بغير الشيخ منقصة
عندي ولا لي بذا الأتاي تكميل
وذا الأتاي هواء كان جؤجؤه
ومجلس القوم مَمْجوجٌ ومَملول
وإن يكن بحضور الشيخ زيّنه
والشيخ كان له تاج وإكليل
واليوم أيْوَمُ إن لم يأت ناديّه
وهي الليالي إذا لم يحضر اللِّيل
بنافع العلم يحيي القلب آونة
وتارة منه تَذكار وتهليل.
تصدر الشيخ للتدريس جنبا إلى جنب والده في المحظرة الربانية بعد أن بلغ سن الرشد العلمي واشتد ساعده المعرفي وجمع من صنوف المعرفة وفرائدها ما اشتهت نفسه وأشبع فضوله... وكان رفيقَ دربِ والده في رحلته من غرب البلاد إلى ربوع قومه شرق اترارزة، ثم إلى لبراكنه، ثم العودة أخيرا إلى منطقة آمشتيل حيث ألقت محظرة الشيخ عصاها واستقر بها النوى بعد وفاة الشيخ الكبير ليغدو الشيخ بيدّه عميد المحظرة خلفا لوالده في العلم والتربية زهاء خمسة عقود من الزمن.
مثَّلَ الشيخ بيدّه حلقة مهمة من حلقات السلسلة الذهبية للمحظرة الربانية واستمرارا لنهج أجداده وسيرا على دربهم المبارك، يقول ابن عمه الأديب الكبير محمد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز ():
جدّكْ محمود الْفيهْ ابــانْ -- ماهُ خالݤْ غيْرُ فانسـانْ
مُولَ علْمْ أمولَ قـــــرآنْ -- أمولَ جودْ أعلمُ مرفــودْ
وافْمحمد عبد الرحــمن -- ذاكْ الْكاملْ كان افْمحمود
واتْلاحِݤْ فِامَّـدْ بالزَّيْدان -- ذاكْ الْفيهمْ كاملْ موْجُودْ
وانتَ لاحِݤْتْ افْطَنْ فابْلـدْ -- يمّـــــــحمد عبد الودود
ذاك الْ فامَّدْ وافْمّـحمد -- عبد الرحمن أيه امحمود.
"امّد": هو الشيخ محمد أحمد والد الممدوح، و"محمد عبد الرحمن": هو جده المعروف بالشيخ محمد و"محمود" جده الثاني.
عرفت المحظرة أيام الشيخ بيدّه إقبالا كبيرا من طرف طلاب العلم والتربية ومرت بها أجيال ودفعات كان منهم علماء وفقهاء وشعراء وأساتذة نابهون، نذكر منهم من دون حصر:
أخوه أحمد يوره (ت.1366هـ)،
أخوه عبد الوهاب (ت.1355 هـ)،
أخوه المصطفى (ت.2004م)،
أخوه إسماعيل (ت.2007م)
القاضي محمد يحيى بن محمد الدنبجه (ت: 1979م)
أحمد بن الداه (الإنتشائي(
سيد محمد بن ودو (النحريري (.
أحمد بن امود (ت. 2002 م)،
محمد عبد الرحمن (احان) بن عبد القادر (ت. 1983 م)
محمد محمود (حمّود) بن عبد القادر (ت. 1995 م)
النعمة بن المختار السالم الإميجني(ت. 2000م(.
الإمام اباه بن الشيخ سيدي (ت. 2010م(
ابن أخيه الإمام محمد محمود بن أحمد يوره، مدّ الله في عمره،
الأستاذ محمد بن سيدي بن دحان، مدّ الله في عمره،
الشاعر الكبير محمد الحافظ بن أحمدو، مدّ الله في عمره،
الكاتب الكبير الدكتور محمد محمد علي، مدّ الله في عمره
العالمة القارئة المتصوفة عائشة بن الشيخ سيد المختار(ت. 2012م(
وغيرهم كثير...
وهنا نقتبس من بعض ما كتبه الدكتور محمد محمد علي في وصفه لشيخه ولهذه الفترة من دراسته:
"العلامة الشيخ محمد عبد الودود بن الشيخ محمد أحمد الرباني ‹‹بَيدَّه›› (ت 1401هـ / 1981م)، رحمه الله وطيَّب ثراه، كان إمامَ اللغة العربية في زمانه بغير منازع. وقد أَكْرَمَني ربي بالالتحاق بمحضرته العامرة التي ورِثها من آبائه وأجداده الغُرِّ الميَامِين: آل الرَّباني.
قضيتُ فترةً في رِحاب تلك المدرسة العريقة، لكنِّي للأسف أصابتني موجةُ الالتحاق بالمدارس الحديثة، وليتني ما فعلتُ، ولازمتُ شيخي أغرف من مَعينه العلمي الذي لا ينضب، لكنَّ الأمور بيد الله يُصرِّفها كيف يشاء.
دَرَسْتُ عليه (لامية الأفعال) لمحمد بن عبد الله بن مالك (ت 672هـ / 1274م) في التصريف، و(ملحة الإعراب) للقاسم بن علي الحريري (ت 516هـ / 1122م) في النحو، و(مقصورة الدريدية) لمحمد بن الحسن بن دريد (ت 321هـ / 933م) في اللغة والأدب.
وكنتُ كلَّما قرأتُ عليه مَتنًا من تلك المتون أجدُه بحرًا في ذلك المجال. في (الدريدية) كان يأتي بشوارد اللغة ومفرداتها من مترادفاتٍ وأضدادٍ ونِكاتٍ شتَّى. وفي (اللامية) كان يَستحضِر شواهدَ كثيرةً من القرآن وأشعار العرب وأقوالهم، لدعم هذا الرأي أو ذاك في مجال التصريف، وهكذا كان يفعل في (ملحة الإعراب). كنت ُكلَّما قرأتُ عليه فنًّا رأيتُه مختصًّا في ذلك الفنِّ. فهو موسوعة علمية جمَع من العلوم والمعارف ما يَقصُر عنه الوصف.
كُنَّا في حيِّنا (في البادية) نَسمع من الكِبار أنَّ العلامة بَيدَّه يَحفظُ دواوين الشعر الجاهلي والقاموس المحيط للفيرزآبادي، وأظنُّ الأمرَ كذلك. فمِن خلال شرحه لـ(مقصورة الدريدية)، تبيَّن لي أنه بحر لا ساحل له في لغة العرب وآدابهم. ورغم أن العلامة بَيدَّه اشتهر باللغة والفقه، فإنَّه كان إمامًا لا يُضاهَى في السِّيرة، فقد سمعتُ من أسلافنا -رحمهم الله -أن السيرة إحدى مجالاته التي لا يُبارَى فيها.
كان شيخي العلامة محمد عبد الودود الرباني شاعرًا مُفلِقًا، وإن غَلَبَ على شعره عويصُ اللغة والكلماتُ المعجمية. وله ديوان شعري حقَّقه الأستاذ يعقوب بن محمدي بن الشيخ سيدي حفِظه الله.
وهو إلى ذلك، كان شيخًا كبيرًا في التربية الروحية وتزكية النفس، وله مُرِيدُون مِن محيطه الأسري ومِن قبائلَ شتى كانوا يدعونه لزيارتهم ليستفيدوا من علمه وتربيته، وربما زاروه.
وقتُه مشغولٌ دائمًا بالنوافل والذكر والاستغفار؛ لا ينقطع عن ذلك، إلا لمطالعة الكُتب وتدريس العلم، أو لضرورات الحياة من نومٍ أو أكلٍ، مع أنه قليلُ النوم والأكل.
وهو، فوق ما ذُكِر آنِفًا، كان مدرسةً للزُّهد والتواضُع والأخلاق والكَرَم؛ رحمه الله وجزاه عن العلم والإسلام خيرًا.
فهذا غَيْضٌ من فَيضٍ وقَطْرةٌ من بحر شيخي الذي لا تُسْبَر أغوارُه ولا تُدْرَكُ أعماقُه."
كانت للشيخ بيدّه علاقات متينة وراسخة مع كثير من علماء وأعلام عصره، نذكر منهم من خارج إطاره الاجتماعي الخاص، نذكر منهم:
• عبد الله بن باب بن الشيخ سيديّ (ت. 1384 هـ)، وقد كتب للشيخ بيده تقديما غاية في الأدب والتواضع، يفتتحه بقوله: " قدم الله تبارك وتعالى الشيخ محمد عبد الودود بن الشيخ محمد أحمد..." وختمها بقوله: "وما فعلته عن أمري. وكتب عبد الله بن الشيخ سيدي، لسبع خلون من شعبان عام: 1359هل ".
• العلامة القارئ عبد الودود بن حميه (ت. 1397 هـ)، كانت بينهما علاقة خاصة جدا، وربما أخد كل منهما على الآخر، فقد أخذ بيدّه عن ابن حميه القراءة، في حين أن ابن حميه درس على الشيخ بيده اللغة والنحو.
• أحمد بن الداه، وله في الشيخ بيده قصائد عدة، يقول في مطلع إحداها:
تحية من أخي شوق أخي كبد
حراء في لاعج الأحزان في كبد...
• إبراهيم بن الشيخ سيديّ، يقول الشيخ في رسالة إليه:
على الأشياخ لاسيما الخليل
تحايانا تعود ولا تزول
فموجبهـــــا زيارتنا لأنّا
على عهد تقادم يا خــــليل
فقِلنا حولكم يوما ولكـن
عدانا عن مزاركم الرحـيل
أدام الله مجدكم أثيــــلا
وما لسواكم المجد الأثــــيل
فيقول إبراهيم الخليل في جوابه:
سلام مثلما نسم العليـــل
من الأرواح حين دنا الأصيل
على حي المكارم والمعالي
وحي الجود إذ أكدى البخيل
وكلهم الجـــواد بغير ثنيا
شبابهم الأكارم والكهـــــــول
وكائن فيهم من كل ندب
وفيّ بالعهود، هو الكفيـــــــل
أخصهم بود ليس يسمو
إليه غيرهم دأبا قبيــــــــــــــل
فلا زالت بيوت الذكر فيهم
تروق الناظرين ولا تزول
• القاضي إسماعيل بن الشيخ سيديّ، وكان يستشير الشيخ في شؤون القضاء.
كانت حياة الشيخ حافلة بالعلم تعلما وتعليما وتمثّلا وتجسيدا، وقد ترك خلفه بعض الآثار منها:
1. انظام متفرقة في اللغة والنحو والصرف ، جمعها وحققها الأستاذ إسحاق سيدي حبيب في رسالة ماستر، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 2022- 2023
2. أنظام متفرقة في الفقه:
ومنه قوله في أطفال المشركين:
ثلاثة الأقوال في أطفال
المشركين هن بالتوالي
في النار في مقول الاكثرينا
وفي الجنان للمحققينا
والوقف عن طائفة وذا نمي
إلى ابن حجاج القشيري مسلم
3. أنظام متفرقة في القرآن، منها قوله ناظما آخر الآيات نزولا:
ستون يوما عاشها النبيّ
-بعد نزول نصره- الأميّ
و(اليوم أكملت لكم) من بعدها
عاش ثمانين استفد بعدها
وعاش بعد آية الكلاله
خمسين يوما صاحب الرساله... إلخ
4. أنظام متفرقة في السيرة النبوية، منها قوله معددا آخر من مات من أهل بدر:
كعب لعمرو انتمى أبو اليسر
وهو من الأنصار بدرا قد حضر
حضرها وهو ابن عشرين سنه
آخر بدري توى تلك السنه
5. ديوان شعر:
- تم تحقيقه من طرف الأستاذ يعقوب بن الشيخ يعقوب، المدرسة العليا للتعليم، 1986م
- دراسة بعنوان: أسلوب الشاعر محمد عبد الودود ابن الرباني من خلال شعره، أعدها الأستاذ: محمدن بن عبد الله بن الرباني، رسالة تخرج من المعد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 1997م.
توفي الشيخ صباح يوم الأحد الموافق لـ 25 من شهر يناير عام 1981 م / 20 ربيع الأول 1401 هـ، وتبارى الشعراء والأدباء في تسجيل الحادث الجلل، تأبينا ورثاء ودعاء وعزاء، فكان مما جادت به قرائحهم:
قول الشاعر الكبير محمد الحافظ بن أحمدو:
أتعنون ما قلتم وما ذا يُردَّدُ
أحقًّا قضى عبد الودود محمدُ!
أعيدوا عليّ القوْل إني بمرية
فهل ينقضي ترتيله المتردد ؟
كأني حسبت الشيخ قد صار مصحفا
له هينمات كالــدوي تـــردد
وإن نسيج الجسم منه قراءة
من السبع والأعضاء لله سجد
فلهفي تموت اليوم والدين محدق
به خطر والشرق والغرب ملحد
وذِي فتنة الدجال قد ذر قرنها
وجفن ذوي التقوى قريح وأرمد
وجيلكم الأتقى النقي مـــــــودع
وسلككم فيه انفـــــــــراط معدد
فهل رفع القرآن أشراط ساعة ؟
إذن هذه الصيحات والخطب الانكد
...
و في مرثية للأديب الفقيه المصطفى(الصافي) بن اخليفه يقول:
الموت يرمي كل آن عامدا
والمرء يجمع كل يوم جاهدا
...
وابْكِ الهُمامَ الأريحيَّ محمدا
عبدَ الودود اللوذعيَّ الزاهدا
القانت، الورع، التقي، المنتقى
طود العلى، البحر الخضم، الماجدا
العيلم، العلم، المجيد، المرتضى
المقرئ، القُح، المفيد، العابدا
وزر الورى في فهم كل عويصة
أعيت سراة في العلوم أماجدا
يا أيها الندب الذي ما رِيءَ عن
سنن النبي المُنْحمنَّا حائدا
...
من ذا الذي يُقري العلوم بأسرها
من بعد موتك سيرة وعقائدا
لغة، وتجويدا، بيانا، منطقا
نحوا وفقها دانيا وشواردا
عللا وتاريخا، حسابا متقنا
وتصوفا يكسو القلوب فوائدا
...
لم تلف إلا ذاكرا أو تاليا
أو قائما أو راكعا أو ساجدا
أو صائما يوما شديدا حره
أو مرسلا بالليل دمعا جائدا
أو مرشدا أو معرضا عن غير ما
يعنيك أو وَزرا لمن جا قاصدا
أو مُغريا بالعلم دأبا والتقى
أو عن طخى الفتن المضلة ذائدا
...
ومن مرثية للقاضي العلامة محمذن فال بن محمدن بن أحمدو فال (ت.1991 م) رحمه الله:
ألا أيها الناعي إليك فإنما
بقولك مات الحبر قد نعي الفضلُ
بفيك الحصى والرمل نغصت عيشتي
ولا عيش بعد الشيخ قاطبة يحلُ
...
تقول ليَ الأندى: أيوجد شكله؟
فقلت فما للشيخ في عصره شكل
تعلم من آبائه المجد والعلى
فإن بهم جنس المكارم قد يعل
فلا غرو أن حاز الوراثة ناشئا
"أتغرس إلا في منابتها النخل ؟"
...
ومن مرثية الأديب الكبير محمد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز بن الرباني (ت. 1998 م):
أرتنا المنايا في الورى أمرها الإِمرا
فلم نستطع نهيا ولم نستطع صبرا
...
ألم نَكُ نبكِ العلم والجود والتقى
ألم نَكُ نبكِ الدين والنسك والذكرا ؟
ونبك الإمام الأورع العالم الذي
به ازدهرت أعصاره وازدهت فخرا
إمامَ الورى عبدَ الودود محمد
قضى نحبَه وترا وعاشرنا وترا
...
فما هو إلا عالم ومعلم
بأخمَصه داس النعائم والنَّسرا
وخاطِب أبكارِ المعالي بعزمه
فأمهرها بالفكر راغبة بكرا
هو الوَزر المقصود إن غُم مشكل
وعدتنا في العسر يبدلنا اليسرا
وإن أخلف الغيث البلاد فإنه
هو الغوث والغيث الذي يخلف القطرا
هو الشيخ وابن الشيخ وابن إمامنا
محمدِ قطب العلم ذي اللحية الحمرا
...
ويقول الأستاذ الفقيه محمد خالد بن معاوية:
يا أيها القدر المحتوم لا جَرَمُ
من حادث كاد منه القلب ينفصم
...
يا دهر هل سيولي بعد غيبته
حبر ترافقه الآداب والحكم؟
حبر تُنكس أعلام العلوم له
ويشتكى من حَماه السمع والكلم
عبدُ الودود الإمام العيلم العلم
ولى فركن الهدى قد كاد ينهدم
حبر تود الليالي لو ترافقه
إذ كان قوامَها بالذكر لا يرِم
وحدسه في أصول الدين قاعدة
حقّ تسلمها إجماعا الأمم
حبر تذوب صخور المشكلات إذا
بدا يفككها كأنها عدم
واستأصل العز من يافوخ دوحته
فلا يجاريه في آلائه إرم
من بيت عز لهم في المجد منزلة
ما نالها قبلهم عرب ولا عجم
...
ويقول الأستاذ الأديب محمد بن دحان:
شمس المعارف نورها يتغيب
والدين باك دمعه يتصبب
والمكرمات نوازح والعلم قد
قامت بواكيه نوائح تندب
والسنة الغرَّا تداعى أسُّها
والجود ولَّى والمعالي غيب
...
لم لا وقد ذهب الفتى المحمود من
بذهابه كل المحامد تذهب ؟
لم لا وقد ولى الجواد محمد
عبدُ الودود أخو المعالي الطيب ؟
العابد الورع التقي المرتضى
العالم الندس الفتى المتأدب
باب المكارم قطب كل فضيلة
بحر الهدى الطّامي الذي لا ينضب...
من للمكارم والعلى من بعده؟
من للملمات التي قد تصعب ؟
من للعلوم وللكتاب وللغى؟
من للمعاجم بعده من تصحب ؟
أين الصحاح وأمهات مذاهب؟
أين المدارك، بل وأين المذهب ؟
...
ما ضيع العمر المظفر سعيه
أيام جاد به الزمان الأعذب
ما فاه بالعوراء قط وما صغى
بفؤاده لمحدث قد يكذب
فهو البليغ لدى الخِطابة مِصقَع
ذَرِبٌ فصيح يُتقى إذ يخطُب
أما لدى سقط الكلام وفضله
هيهات فهو الأخرس المتهيب
ثبتُ الجنان موفق في قوله
بطل إذا حمي الوطيس مجرب
هذي فضائله لها صح البنا
وفضائل الأقوام طرا تعرب
مجد تواراثه الجدود بنيهم
وخلافة أرسى دعائمها الأب
...
ويقول العلامة الدنبجه بن معاوية (ت. 1997 م) من مريته فيه:
نعى الناعون كل ندى وجود
بنعي محمد عبد الودود
نعيتم أريحيا ألمعيا
قليل المثل حفاظ العهود
له بعد الهدوء دوي ذكر
يُقطَّعُ بالركوع وبالسجـود
به وبمثله كانت علينا
ليالي اليُمن طالعة السعود
...
صعدت ذُرى العليا طفلا وكانت
ذُرى العلياء صعبات الصعود
...
ويقول الشاعر محمدي بن القاضي رحمه الله في مطلع مرثيته:
إلى مَ تغرُّ في الدنيا بآل
كأنك ما درئت إلى الزوال
و لم ترَ سيرة الأيام تحدو
جميع الحاضرين إلى الأوال
...
لنعم العبد إن تلفى كرام
وتبلى في المقال وفي الفعال
أديب عالم إن أمَّ حكما
وحاتمُ قومه وقت النوال
ثبيرُ الحِلم مؤتزر دواما
إزار الأريحية والفَعال
ويحصي المرء إمّا رام حزوى
حصاه قبل واحدة الخصال
عزاء الأهل أن فتى كهذا
يعيش حياته تحت الرمال
ويُنثر عمرُه نشرا جديدا
إذا ما غاب في صفد الجلال
ويخلد في ضمير الدهر شهما
برائعة الشمائل والخصال
ويقول فيه امّود بن بايّ في مطلع مرثيته مؤرخا لتاريخ وفاته:
افْهايْ اكاف امن المعدودْ
وادعــنَ الامام العليم
علّامتنَ عبد الــــــــودود
العالم لكريم الزّعـيم...
تغمد الله الشيخ بيدّه برحمته الواسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من جنته وبارك في آل بيته وجميع عترته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.