يوم الإثنين العاشرة ونيف رن هاتفي كان على الخط الأخ محمد رباح وهو يخاطبني قائلا عليك أن تكون عند منزل الرئيس يعقوب جلو الساعة الحادية عشر لتنطلقا إلى انواذيبو، وتركن سيارتك هناك، وكنت قد رتبت أمتعتي في انتظار إشارة من الأخ محمد رباح، الذي ما إن وصلت منزل الرئيس يعقوب جلو حتى وجدته ومعه الزاد والراحلة، ولجنا بيت الرئيس، حيث كان في جاهزية كاملة للسفر، ولكنه طلب منا الإنتظار برهة لاحتساء كاسات شاي، وبعد تناول تلك الكاسات المنعشة، خرجنا واعتلينا الحصان الياباني الذي امتطينا صهوته نحو العاصمة الاقتصادية انواذيبو، كان الرئيس يلبس دراعة نظيفة نظافة كفيه، بيضاء صقيلة صفاء قلبه الأبيض وعقله الحصيف، وبسيطة بساطة الكبار العظماء الذين لا يأبهون بالدنيا وزخرفها، وحين كنا على عتبة الانسلاخ من انواكشوط لنتركها خلف ظهورنا أشار الرئيس الأستاذ يعقوب لحادي الحصان بضرورة التوقف عند أقرب محطة وبقالة للتزود بالبنزين، ولشراء متطلبات السفر، وبعد ذلك انطلق الحصان يركض لا يلوي على شيء، تململ الرئيس من فوق مقعده ذات اليمين وذات اليسار فشد حزام الأمان، بسمل وحوقل وتلا في صمت تعاويذ السفر، وجعل نظارته السوداء على أنفه الشامخ، كنت أرمق الرئيس عن كثب وهو يجول بنظراته يحملق ويحدق في أنواع التضاريس كفيلسوف يتفكر في ملكوت السماوات والأرض، لا يقطع ذلك التدبر العميق إلا مستوى من الفضول أمارسه أنا بين الفينة والأخرى، فيتجاوب معي بضحكته المجلجلة تارة، وبحديثه الهادئ الرصين آونة أخرى، كان الطريق المعبد الرابط بين انواكشوط وانواذيبو سالكا على العموم، رغم وجود ترقيع لحفر يد راقعها غير ملساء ولا هي بتلك الفراهة في رتق ما انفتق من الطريق، والناجم عن ضغط مرور الشاحنات والآليات الثقيلة، كان الطريق ينجد تارة ويغور أخرى، ينثني ويلتوي وينساب تارات كأفعى تنقض على طريدتها، قبل أن يستقيم بين مجابات وبحور من الرمال المتحركة، لتدلف بعد ذلك في منبسط سهول زيزاء الجرداء الخالية من سوى لمعان بريق أنهار سراب متلاطمة يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، كما لم يخل الطريق من بعض آكام صخرية صغيرة خصوصا في المقطع الرابط بين بلنوار وانواكشوط، وعلى طول الطريق يمينا أو يسارا، ومدة الرحلة كانت ترافقنا أعمدة كهرباء الجهد العالي التى تغذي مدينة انواذيبو بالطاقة الكهرومائية من سد ماننتالي، تدنو هذه الأعمدة وتنأى وكأنها رجال شرطة ذات أجنحة مثنى وثلاث تمارس مهمة تنظيم مرور،،، وأصيلالا وصلنا مدينة انواذيبو كانت إدارة حملة الحزب في استقبالنا عند مدخل المدينة لترافقنا إلى نزل فندق اسنيم حيث نقيم، وكان الحاضر الغائب المناضل الكبير والأخ الكريم المختار بن رباح قد حجز لنا على حسابه الشخصي وهو في مدينة ازويرات غرف الفندق وإعاشته الاختيارية الشهية الباذخة، ولم تطاوع الكريم المختار ولد رباح نفسه أن يكرمنا عن بعد فقط، بل لملم أغراضه وقرر السفر من ازويرات لانواذيبو على متن قطار السكة الحديدية، وليسرع في وجوده معنا اتصل على سيارته في انواذيبو لتقله من محطة بلنوار كي يجلس معنا على مأدبة الفطور فجر الثلاثاء بمطعم الفندق، وقرر أن يكون مقيل الوفد في ضيافته أيضا بمنزله العامر بكانصادو، وقد أكرم الرجل الكريم سجية وفادتنا واغدق علينا من كرمه الاسطوري الحاتمي، فقلنا أفضل مقيل، ورغم أننا كنا نعرف كرم أبناء رباح، كانت بعثات الحزب تخبرنا دوما عن القرى النادر الذي يقدمه الأخ المختار ولد رباح لتلك البعثات، فذكرني ذلك قول الشاعر القديم:
كانت محادثة الركبان تخبرنا
عن جعفر بن رباح أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ماسمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
غادرنا منزل المختار بن رباح عائدين إلى الفندق، وتواصل مع الرئيس يعقوب جلو السيد يحيى الوقف منسق حملة المرشح محمد الغزواني، ليخبره أنه بعث إلينا ببطاقات دعوة للمنصة الرئيسية، وأن على الرئيس يعقوب جلو أن يكون بعد العصر في المطار، للانضمام إلى صفوف الشخصيات السامية في استقبال المرشح، استلمنا بطاقات الدعوة وتوجهنا نحو مطار انواذيبو كانت الرقابة الأمنية مشددة والطريق موصدة ومقطوعة، ولأن معنا بطاقة مرور خاصة بحصاننا الياباني سمح لنا بتجاوز الحواجز، عند بوابة المطار ترجل الرئيس يعقوب جلو وولج، وركنا الحصان غير بعيد في الموقف الخاص بسيارات المدعويين، وبعد وصول المرشح غزواني وبعد اكتمال مراسيم الاستقبال، هرع المنتخبون، ورؤساء الأحزاب السياسية يجرون جري فاقد الماء العطشان، واندفاع المحب الولهان نحو سياراتهم ودخلوا في سباق جنوني نحو المنصة، في حين خرج الرئيس يعقوب وهو يخطو بهدوء نحو الحصان، هرولت نحوه، لأزيد من سرعته لكنه فضل أن يسير سير الواثق كعادته، ثم توجه بنا الحصان الياباني إلى المنصة كنا في مؤخرة الواصلين، نزلنا وتوجهنا نحو المنصة، فاعترض سبيلنا أفراد لجان التنظيم ووجهونا إلى المنصة الثانية ابروتوكليا بحجة أن تلك المنصة لم يعد بها متسع، كاد رئيسي من تواضعه يقبل العرض، لولا اعتراضي أنا ومجاهرتي بأن الرئيس يعقوب جلو لا يليق به ولا بمكانته إلا المنصة الأولى ابروتكوليا، ليفسحوا لنا المجال، ومنها حضرنا خطاب المرشح الرئيس محمد ولد الغزواني، كنت أزهو واعتز من فوق المنصة برؤية لافتات حزب التكتل وبشعاراته الداعمة، يلوح بها التكتليون، وكذلك بجهود أفراد الحملة الوطنية على مستوى داخلت انواذيبو، وبعد انتهاء المهرجان الشعبي غادرنا عائدين إلى الفندق، وفي الطريق عللنا الحصان حتى ارتوى ومسح فاه من الري لنكون جاهزين للسرى آخر الليل، لكن الأخ المختار بن رباح زار كل واحد منا في غرفته، وأصر على ألا نغادر حتى نتاول فطور الصباح الساعة السادسة، فكان بجانبا على مأدبة الفطور، وظل إلى جانبنا حتى ودعنا غير راغب في مغادرتنا الساعة السادسة والنصف، لنبدأ رحلة العودة.
*- عمدة سابق لبلدية علب آدرس وقيادي بحزب التكتل