- [ ] تابعت باستغراب بعض الانتقادات الموجهة للاتفاق الذي عقده المعهد التربوي مع مجلس اللسان العربي، من أجل تصحيح وتدقيق المناهج والمقررات المدرسية، وهي برأيي انتقادت غير موضوعية ولا مؤسسة؛ ذلك أنه لا يختلف اثنان في أهمية التدقيق اللغوي والتصحيح، خاصة مع ما تحتوي عليه الكتب المنشورة سابقا من أخطاء إملائية ونحوية ولغوية وأسلوبية بالغة، فضلا عن الأخطاء التي تصيب مضمونها، والحشو والتخليط الواقع في كثير منها. وقد حدثني بعض الاخوة عن نماذج مروعة من ذلك، وأخبرني بعضهم أنه اضطر لاعادة صياغة التعريفات الواردة في أحد هذه الكتب عندما كان يراجع لأبنائه دروسهم؛ وذلك لبعدها عن المنهج العلمي وما فيها من حشىو وضعف.
- [ ] ولا جدال ايضا في كون الحفاظ على سلامة اللغة العربية، والتمكين لها في الحياة العامة، والحرص على تلقينها وتعليمها للأجيال من أهم ما أسست له المجامع اللغوية. ولو رجعنا الى الماضي القريب لوجدنا اتفاقيات مماثلة عقدت بين بعض المجامع اللغوية العربية - ومجلس اللسان العربي عضو في اتحادها بالمناسبة- مع بعض الجامعات ووزارات التعليم العالي والمؤسسات الصحفية بلغت حد تنظيم دورات في اللغة للطلبة والأساتذة. ولا ننسى الجهود المشكورة التي قامت بها المجامع اللغوية في القاهرة ودمشق وغيرها، في تعريب المصطلحات العلمية، وهي جهود اعتمدتها جامعات عديدة لتدريس الطب والكيمياء والهندسة وغيرها من المواد باللغة العربية.
إذا فما العيب في تكليف مجلس اللسان وهو المجمع اللغوي الوحيد في البلد بهذا العمل؟! قد يقال: إن في هذا تهميشا للأساتذة والمفتشين الخ وهذا كلام غير دقيق، فأعضاء المجلس من بينهم دكاترة وباحثون وأساتذة جامعيون وأساتذة تعليم ثانوي ومفتشون، منهم من تقاعد وقضى نحبه المهني، ومنهم من ما زال في الخدمة، جادا في عمله. فليسوا ببعدين عن التعليم ولا غرباء عليه كما يفهم من بعض التدوينات!
وبعد فمن يطعن في كفاية وأمانة الشيخ الخليل النحوي، والشيخ بومية والدكتور أحمد الدولة، والشيخ أحمد مزيد، والشيخ محمد الحافظ ابن أگاه، والأستاذ الأمير بن آكاه، والدكتور أحمد بن حبيب الله، والشيخ محمد فال بن عبد اللطيف والدكتور يحيى البراء والعلامة محمد بن حمين والأستاذ محمد الأمين بن الحاج الخ القائمة المباركة؟!
ومن بين المتعاونين مع المجلس من مارس مهنة التدقيق في المعهد التربوي نفسه لفترة طويلة. غاية ما في الأمر أن المعهد استعان بمؤسسة متخصصة، فأسند الأمر إلى أهله وأتى البيوت من أبوابها! ثم إن هذه الكتب والمناهج هي من إعداد أساتذة ومفتشين مقتدرين، وعمل المجلس مجرد تصحيح وتدقيق لعملهم فأي تهميش في هذا؟!
والواقع أن التدقيق والتصحيح ملكة وصناعة خاصة، يحتاج صاحبها معرفة بالنحو وعلوم اللغة والإملاء لكنه يحتاج ذكاء وفطنة وأمورا زائدة على ذلك، يكتسب أكثرها بالممارسة والتجربة، وليس كل أستاذ أو معلم يحسن هذا العمل!
ولمجلس اللسان بالمناسبة تجربة جيدة في التدقيق والتصحيح، وقد شارك عدد من أعضائه والمتعاونين معه في إعداد معجم الشارقة التاريخي للغة العربية، الذي أشرف عليه اتحاد المجامع العربية بالقاهرة، وتولى تنفيذه مجمع اللغة العربية في الشارقة بالتعاون مع بقية المجامع. وكانت للفريق الموريتاني فيه مساع مشكورة، وجهود مثمرة، وصلت حد تصحيح عشرات الألفاظ التي تصحفت في بعض كتب كبار اللغوين، فضلا عن التصحيفات الخفية الواقعة في الدواوين الشعرية وكتب الحديث وغيرها من كتب التراث. واكتسب العاملون في الفريق أو أغلبهم ملكة لا يستهان بها في هذا المجال:
وإذا لم تر الهلال فسلم * لأناس رأوه بالأبصار
فهل يستغرب بعد هذا أن يتولى المجلس مثل هذه المهمة البسيطة بالنسبة لمهامه السابقة؟!
قد يقال: إن الدكتور الشيخ عضو مجلس اللسان، وتلك لعمري حجة داحضة، فعضويته في المجلس لا تمنع استعانته به فيما لا يعود منه نفع عليه هو - أعني الدكتور- وهو بالمناسبة لم يقدم سابقا للمجلس أي خدمات معوضة ذات شأن حسب علمي، ولا شارك في مشاريعه المدرة للدخل. فليس بمتهم فيما فعل. ثم إن العبرة بسلامة القرار وموضوعيته، والدكتور "مبرز" في عمله وتاريخه المهني في الإعلام والجامعة ووزارة الثقافة، فلا يطعن فيه بهذه الاتهامات الفارغة، فليترك وما عملا!
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ولو قدرنا أن غيره اتخذ هذا القرار لما كان منتقدا ولا معيبا، فلنقس هذا بذاك. والأمر في النهاية يبقى اجتهادا صادرا عن حسن نية ومسوغات واضحة جلية والله الموفق.