حدث وتعليق/ تعليمات الرئيس الغزواني بشأن تقرير محكمة الحسابات.. إرادة سياسية لاجتثاث الفساد

الوئام الوطني. : في خطوة جديدة تؤكد الجدية المتزايدة في نهج الإصلاح ومحاربة الفساد، ألزم فخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، الحكومةَ بالتطبيق الصارم لتوصيات تقرير محكمة الحسابات، موجها تعليماته بعقد لجنة وزارية عليا برئاسة الوزير الأول، وبحضور الوزراء المعنيين ومديري المؤسسات المشمولة بالتفتيش، لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات ووضع خطة إصلاح عاجلة قبل نهاية الأسبوع الجاري.

هذا التوجيه، الذي يأتي في لحظة سياسية وإدارية دقيقة، يعكس تصميم الرئيس على جعل الشفافية والمساءلة ركيزتين أساسيتين في تسيير الشأن العام، بعد سنوات من المطالبة بترجمة التقارير الرقابية إلى إجراءات عملية تضع حدًا للإفلات من العقاب وتحسن من أداء الإدارة العمومية.

تقرير محكمة الحسابات الأخير حمل ملاحظات دقيقة حول أداء بعض قطاعات ومؤسسات  الدولة في مجالات متعددة، تتعلق بالتسيير المالي والإداري، والالتزام بالقوانين المنظمة للصفقات العمومية، وتدبير الموارد البشرية.

ولئن اعتادت الحكومات في فترات سابقة التعامل مع مثل هذه التقارير على نحو بروتوكولي أو شكلي، فإن التوجيه الرئاسي الجديد يمثل تحولا نوعيا في علاقة السلطة التنفيذية بالمؤسسات الرقابية، إذ لم يكتفِ الرئيس بإحالة التقرير أو الثناء على عمل المحكمة، بل ألزم الوزراء باتخاذ إجراءات تأديبية وإصلاحية محددة بآجال واضحة.

إن هذا الحرص على تحويل الملاحظات إلى قرارات وإصلاحات ملموسة يؤسس لمرحلة جديدة في مسار الحوكمة الرشيدة بموريتانيا، حيث تصبح الرقابة المالية أداة فاعلة في تقويم السياسات العامة، لا مجرد آلية لتوثيق الاختلالات بعد وقوعها.

ومن الناحية السياسية، تشكل هذه الخطوة رسالة قوية بأن محاربة الفساد لم تعد شعارا يُرفع في الخطابات، بل باتت سياسة دولة تُدار بآليات عملية وتحت إشراف مباشر من رأس السلطة التنفيذية.

وقد لاحظ المتابعون أن الرئيس الغزواني، منذ توليه الحكم، أعطى أولوية خاصة لبناء مؤسسات رقابية مستقلة وتعزيز صلاحياتها، مثل محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة وهيئة مكافحة الفساد، مع التركيز على منهج الوقاية قبل العقوبة، أي إصلاح الأنظمة وتحصينها من أسباب الانحراف قبل محاسبة الأفراد.

لكن ما يميز هذه المرة هو وضوح المساءلة، إذ أُلزم الوزراء باقتراح العقوبات المناسبة في إطار صلاحياتهم، وهو ما يعني أن المسؤولية لن تتوقف عند الموظفين الصغار، بل ستشمل من يثبت تورطه في الإهمال أو سوء التسيير، أيا كانت رتبته الإدارية.

ويرى المراقبون أن تطبيق توصيات محكمة الحسابات يمثل اختبارا جديا لقدرة الحكومة على استعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، خاصة في ظل مطالب شعبية متزايدة بالشفافية والمساءلة.

فحين يدرك المواطن أن التقارير الرقابية لا تبقى حبيسة الأدراج، بل تُترجم إلى إجراءات فعلية، تتعزز ثقته في أن المال العام محمي وأن الإدارة العمومية تسير وفق معايير نزيهة وواضحة.

كما أن خطة الإصلاح التي طُلب إعدادها قبل يوم الجمعة المقبل تشكل مؤشرا على الصرامة الزمنية التي يفرضها الرئيس، وهو أمر نادر في الممارسات الحكومية السابقة، حيث كانت التوصيات عادة تُحال إلى لجان دون سقف زمني أو نتائج ملموسة.

ويمكن القول إن هذا التوجيه الرئاسي ليس مجرد رد فعل على تقرير رقابي، بل هو لبنة جديدة في مشروع بناء دولة القانون والمؤسسات الذي وعد به الرئيس غزواني في حملاته الاناخابية.

فحين تلتزم الحكومة بأقصى درجات الصرامة في تنفيذ توصيات محكمة الحسابات، وتربط المسؤولية بالمحاسبة، تكون موريتانيا قد خطت خطوة كبيرة نحو تأسيس ثقافة مؤسسية للمساءلة والشفافية، تضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات السياسية أو الشخصية.

ومع اقتراب المهلة المحددة، يترقب الرأي العام نتائج هذا التوجيه، بوصفها اختبارا عمليا للإرادة السياسية في الإصلاح، وفرصة لإثبات أن الدولة قادرة على تصحيح أخطائها بنفسها، وبوسائلها القانونية والمؤسساتية.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

ثلاثاء, 14/10/2025 - 23:47