
الوئام الوطني : أعاد القرار الأممي الأخير، الذي اعتمد بشكل صريح مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل عملي ونهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء، رسم ملامح مرحلة جديدة في مسار هذا الملف الذي عمر نصف قرن.
قرار وصفه المراقبون بأنه تحول نوعي في الموقف الدولي، ونتيجة منطقية لتراكم المواقف الداعمة لمغربية الأقاليم الجنوبية، وانتصار واضح لنهج الواقعية الذي تبنته المملكة المغربية منذ تقديمها مقترح الحكم الذاتي سنة 2007.
لم يأت القرار الأممي من فراغ، بل كان ثمرة عمل دبلوماسي مغربي منسق وطويل النفس، قاده جلالة الملك محمد السادس عبر رؤية استباقية تراهن على الإقناع لا المواجهة، وعلى الاستثمار في الشرعية الدولية بدل الانفعال بالضغوط الإقليمية.
فقد استطاع المغرب خلال العقدين الأخيرين أن يعيد تشكيل خريطة المواقف الدولية لصالحه، مستندا إلى الشرعية التاريخية والقانونية لمغربية الصحراء، وإلى واقع التنمية الشاملة التي تعرفها مدن الأقاليم الجنوبية، حيث تحولت العيون والداخلة إلى نموذجين في التنمية المندمجة والاستقرار.
لقد تلقّى المجتمع الدولي القرار الجديد كتصحيح لمسار طويل من الجدل العقيم. فبعد سنوات من المداولات غير المثمرة داخل أروقة الأمم المتحدة، بدا أن الوقت قد حان لإغلاق هذا الملف وفق مقاربة براغماتية، تضع في الاعتبار المعطيات الواقعية على الأرض لا الشعارات الأيديولوجية.
لقد أكد القرار الأممي أن الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الحل الوحيد القابل للتطبيق، وهو ما يمثل انتصارا للواقعية السياسية على أطروحات الانفصال التي لم تحظَ يوما بإجماع أو دعم فعلي من المجتمع الدولي.
ويرى محللون أن هذا الموقف الجديد يعكس أيضاً تحولا في أولويات القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تدرك أن استمرار النزاع في الصحراء لم يعد يخدم مصالح الاستقرار الإقليمي، ولا يتماشى مع الديناميكية الجديدة في شمال إفريقيا والساحل، إذ تعتبر واشنطن أن حسم ملف الصحراء خطوة أساسية لتخفيف بؤر التوتر في محيط البحر الأبيض المتوسط، والتفرغ للتحديات الجيوسياسية الأعمق في أوروبا الشرقية، والشرق الأوسط، وشبه القارة الهندية.
ومن ثمّ فإن القرار الأممي لا يعبر فقط عن قناعة بعدالة الموقف المغربي، بل يعكس إرادة أممية لتصفية النزاعات المجمدة والتركيز على الملفات الأكثر إلحاحا في النظام الدولي الراهن.
وبإقرار المجتمع الدولي بمشروعية المقترح المغربي، تفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، عنوانها التنمية والاستقرار والتكامل الإقليمي.
ويُنتظر أن يدفع هذا القرار الأطراف الإقليمية، خاصة الجزائر، إلى إعادة تقييم مواقفها التقليدية والانخراط في منطق التعاون بدل الصراع، بما يخدم الأمن الجماعي في منطقة المغرب العربي والساحل.
كما يمنح القرار دفعة قوية للمشاريع الاستثمارية الكبرى في الجنوب المغربي، مثل ميناء الداخلة الأطلسي ومناطق الطاقة المتجددة، التي ستجعل من الأقاليم الجنوبية جسرا استراتيجيا بين إفريقيا وأوروبا.
ويمكن القول إن القرار الأممي الجديد ليس مجرد وثيقة سياسية، بل هو إعلان انتصار لمنهج الاعتدال والواقعية المغربية في التعاطي مع القضايا السيادية.
لقد أثبتت الرباط أن الإصرار على الحلول الواقعية والمستندة إلى الشرعية الدولية هو الطريق الأقصر نحو الاعتراف الدولي، وأن لغة التنمية والإنجاز الميداني أقوى من لغة الادعاء والمناورة.
وهكذا، يكون العالم قد أقرّ بأن الصحراء مغربية بحكم الواقع والقانون والتاريخ، وأن الحكم الذاتي هو السبيل الوحيد لضمان كرامة السكان ووحدة التراب المغربي، ولبناء مغرب كبير يسوده السلام والتكامل والتنمية
إسماعيل ولد الرباني
المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء


.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)