
منذ اللحظة الأولى لتسلّمه قيادة البلاد، وضع فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ملامح مشروع وطني طموح يقوم على فكرة جوهرية: أن مستقبل موريتانيا لا يُبنى بالعواطف والشعارات، بل بالمؤسسات الراسخة والقانون الذي يسمو فوق الجميع.
لقد أدرك أن الدولة الحديثة لا تتشكل بالخطابات، بل بإرساء قواعد ثابتة للحكم الرشيد، حيث الكفاءة هي المعيار، والمواطنة هي الرابط الأسمى بين أبناء الوطن الواحد.
هذا التحوّل الذي أطلقه الرئيس لم يكن مجرّد برنامج حكومي، بل رؤية استراتيجية لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع.
ففي بلدٍ يمتلك رصيدًا تاريخيًا وثقافيًا متنوعًا، كان لا بد من تأسيس نموذج سياسي جديد يوازن بين الأصالة والتجديد، ويحافظ على الاستقرار دون أن يجمّد الإصلاح.
ومن هنا، جاءت مقاربة الغزواني القائمة على “الهدوء في الأداء، والعمق في الإصلاح”، لتؤكد أن البناء الحقيقي لا يتمّ بالصخب، بل بالثقة والمراكمة والاستمرارية.
في جوهر هذه الرؤية، تبرز قناعة الرئيس بأن العدالة الاجتماعية هي حجر الزاوية في أي نهضة وطنية.
ولذلك، تم توجيه السياسات العامة نحو تمكين الفئات الأقل حظًا، وتعزيز فرص التعليم والصحة والعمل الكريم، عبر برامج تنموية تستهدف الإنسان بوصفه غاية التنمية ووسيلتها في آنٍ واحد.
هذا التوجه لم يأتِ من باب التجميل الاجتماعي، بل من فهمٍ عميق بأن لا استقرار سياسي بدون إنصاف اجتماعي.
أما على المستوى الإداري، فقد اتجهت السياسات الحديثة نحو تحديث أجهزة الدولة وتحريرها من التعقيدات التي كانت تُبطئ الخدمة وتضعف ثقة المواطن في مؤسساته.
فتمّ اعتماد منهج يقوم على المساءلة والشفافية، وتطوير آليات التسيير العمومي بما يتماشى مع المعايير الدولية.
لم يعد الهدف إدارة يومية للملفات، بل بناء إدارة فعّالة تعمل وفق رؤية وطنية متكاملة تُعلي مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
سياسيًا، أعاد الرئيس الغزواني التوازن إلى الحياة الوطنية من خلال إحياء ثقافة التشاور وإعادة الثقة بين مختلف القوى السياسية.
ففي نهجٍ جديد من العمل العام، لم تعد المعارضة خصمًا يجب تجاوزه، بل شريكًا في إثراء النقاش الوطني وصناعة القرار.
هذا الانفتاح عزّز مناخ الاستقرار وأعاد الحياة السياسية إلى مسارها الطبيعي، بعد سنوات من التشنج والاصطفاف.
إن ما يميز المرحلة الحالية هو الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية المؤسسية، ومن ردّ الفعل إلى التخطيط الاستراتيجي.
فخامة الرئيس لا يتعامل مع الدولة بوصفها جهازًا إداريًا فحسب، بل ككائن حيّ يحتاج إلى رعاية مستمرة وتوازن دقيق بين سلطاته ووظائفه.
ولذلك، فإن الإصلاحات التي تشهدها البلاد اليوم ليست جزئية أو ظرفية، بل تشكّل تحولًا بنيويًا في طريقة إدارة الدولة، وترسيخًا لمنهج يقوم على الاستدامة والفاعلية.
اقتصاديًا، انعكست هذه الرؤية في تعزيز مناخ الاستثمار، وإعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدولي القائم على الندية والمصالح المشتركة.
وقد أصبح الاقتصاد الوطني أكثر انفتاحًا على الشراكات الإقليمية والدولية، مع التركيز على المشاريع التي تخلق فرص عمل وتدعم الأمن الغذائي والطاقوي.
وفي بعدٍ آخر، أولى الغزواني أهمية كبرى لدور الشباب والنساء في صياغة المستقبل، إيمانًا منه بأن التحول الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون تمكين الطاقات الوطنية وإشراكها في القرار.
ومن هنا، برزت برامج التدريب والتمويل والدعم التي تهدف إلى تحويل الحماس إلى إنتاج، والطموح إلى واقع ملموس.
ختامًا، فإن التحول الوطني الذي تشهده موريتانيا اليوم ليس صدفة سياسية ولا نتيجة ظرف مرحلي، بل خيار وطني راسخ يقوده رئيسٌ يؤمن بأن المؤسسات هي الضامن الوحيد لبقاء الدولة واستمرارها.
إن مشروع الغزواني لا يُقاس بسرعة الإنجاز، بل بعمق الأثر واستدامته؛ لأنه يؤسس لجمهورية قادرة على تجاوز الأزمات بثقة، والمضيّ نحو المستقبل بعزيمة ووضوح رؤية.
تلك هي موريتانيا الجديدة التي تتشكل بهدوء تحت عنوان واحد:
دولة المؤسسات أولًا… ونهضة الإنسان أساسها.
بقلم: الدبلوماسي محمدن ابراھيم داداه


.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)