حدث وتعليق/ إنقاذ عشرات المهاجرين في السواحل الموريتانية.. بين الصرامة في ضبط الحدود والاستجابة الإنسانية

تمكّنت قوات تابعة لخفر السواحل الموريتانية، صباح أمس الأحد، من إنقاذ قارب قادم من غامبيا كان يقل 141 مرشحاً للهجرة غير النظامية، في عملية جديدة تؤكد حجم الضغط المتزايد على السواحل الموريتانية ودورها المتنامي في الاستجابة الإنسانية والأمنية لتدفقات الهجرة في منطقة غرب إفريقيا.

وقد جاءت عملية التدخل بعد رصد القارب داخل المياه الخاضعة للسيادة الموريتانية، حيث تحركت الزوارق البحرية بسرعة لتنفيذ عملية الإنقاذ وفق المعايير المهنية التي تعتمدها البلاد في مثل هذه الحالات، بما يجمع بين مقتضيات الأمن ومتطلبات حماية الأرواح.

وتميزت المجموعة التي كانت على متن القارب بتعدد جنسياتها، في صورة تجسّد الطابع الإقليمي للهجرة غير النظامية.

فقد ضمت القافلة 88 مواطنا من السنغال، و44 من غامبيا بينهم 17 امرأة وطفلان، إضافة إلى أربعة أشخاص من غينيا كوناكري، وشخصين من مالي.

هذا التنوع العرقي والجغرافي يعكس اتساع دائرة اليأس الاقتصادي والاجتماعي في دول غرب إفريقيا، حيث تدفع البطالة والاختلالات التنموية والاضطرابات السياسية آلاف الشباب إلى ركوب البحر في رحلات محفوفة بالمخاطر.

كما أن وجود نساء وأطفال على متن القارب يبرز خطورة الظاهرة وتحوّلها من هجرة فردية للشباب إلى هجرة عائلية في بعض الحالات، وهو مؤشر مقلق يدل على تفاقم عوامل الدفع داخل البلدان المصدّرة للمهاجرين.

وتأتي عملية الإنقاذ هذه لتؤكد تعاظم الدور الذي تلعبه موريتانيا في تأمين طرق الهجرة عبر الأطلسي، حيث باتت البلاد، بحكم موقعها الجغرافي واتساع شواطئها، نقطة مركزية في جهود مكافحة الهجرة غير النظامية.

وتتعامل السلطات الموريتانية مع الظاهرة بمنطق مزدوج يجمع بين التعاطي الأمني الصارم لضبط الحدود وقطع الطريق أمام شبكات التهريب، وبين النهج الإنساني الذي يضمن سلامة المهاجرين ويمنع وقوع كارثة إنسانية في مياه الأطلسي.

لقد أعاد خفر السواحل، مرة أخرى، تأكيد جاهزيته العالية في التدخل البحري السريع، وهو ما يظهر في إنقاذ ثلاثة ركّاب كانوا في حالة صحية حرجة وتقديم الإسعافات الأولية لهم قبل نقلهم إلى الجهات الصحية المختصة.

إن الهجرة غير النظامية عبر الأطلسي لم تعد شأنا محليا يخص الدول المصدّرة أو الدول الواقعة على خط العبور، بل تحولت إلى ملف إقليمي ودولي معقّد تتداخل فيه الاعتبارات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وموريتانيا تجد نفسها في قلب هذا المشهد، بوصفها حلقة وصل بين بلدان غرب إفريقيا من جهة، وشركاء دوليين يُولون اهتماما كبيرا بتدفقات الهجرة نحو أوروبا من جهة أخرى.

وتُظهر عمليات الإنقاذ المتكررة أن موريتانيا تتحمل عبئا متزايدا في إدارة هذه التدفقات، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة إلى دعم دولي أكبر لتعزيز قدراتها البحرية واللوجستية، خاصة في ظل أساليب التهريب الجديدة ومسارات الرحلات التي أصبحت أطول وأكثر خطورة.

وتبرز عملية الأحد ضرورة تعاطي دول المنطقة مع ملف الهجرة من زاوية شمولية، تقوم على معالجة الأسباب العميقة التي تدفع الشباب إلى الهجرة، بدل الاكتفاء بالاستجابات الأمنية. فالهجرة، في جوهرها، تعبير عن اختلالات تنموية وسياسية واجتماعية تحتاج إلى مقاربات تشاركية بين دول المنشأ والعبور والاستقبال.

كما أن المسار يتطلب تعاونا أوثق بين موريتانيا وجاراتها في مجالات تبادل المعلومات، وتعقب مهربي البشر، وتطوير خطط مشتركة للإنقاذ البحري، إضافة إلى برامج لدعم سبل العيش في المجتمعات الأكثر إنتاجا للهجرة.

وتُظهر عملية إنقاذ الـ141 مهاجرا أن موريتانيا تواصل الخط الأمامي في مواجهة واحدة من أعقد الظواهر العابرة للحدود في القرن الحادي والعشرين.

ومع أن التدخل السريع لخفر السواحل منع كارثة إنسانية محققة، إلا أنه يعيد، في كل مرة، طرح الأسئلة الجوهرية حول مستقبل الهجرة في المنطقة، وحول الدور الذي يجب أن تلعبه الدول الإفريقية والأطراف الدولية لتفادي أن يتحول الأطلسي إلى مقبرة مفتوحة لعشرات الفارين من اليأس.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

اثنين, 01/12/2025 - 14:08