أخيرا، نزع الرئيس المنتهية ولايته، القناع عن وجهه. وقرر أن يحمل - في متاعه على متن الطائرة - مرشحه وبقية طاقمه الحكومي، وأن يباشر الحملة بنفسه في واضحة النهار، متوكلا على الله.. ربما من باب أن للسابق أجرا ولقمة..
في رحلة الحج نحو الشرق الموريتاني، المعروف بثقله الإنتخابي الوازن، توكأ الرئيس، على مبرر جاهز هو "التدشين" بنكهة "المن والأذى" التي لطالما طبعت العلاقة المتعالية للسلطة اتجاه المواطنين طيلة عشرية الحكم المنقضي. لكن الهدف لم يكن منشأة الماء في كيفه ولا مستشفى في النعمة، وإنما هو الإمعان في استغلال الفرصة لحث المنتخبين في الولايتين -ترغيبا وترهيبا- على التعبئة من أجل التصويت للمرشح-القناع، الذي بات الرئيس يتبرقع به من أجل الإستمرار في الحكم والتمادي في الفساد. وهو نفس الغرض من زيارته لولايات أخرى..
لكن المفارقات لا تتوقف عند هذا الحد.. فأين هي الجمهورية الديمقراطية التي يمكن أن يعيِّن فيها مترشح - بلا صفة رسمية- عددا من وزرائها وسفرائها، بل وربما ضباطها- بمذكرة نكرة أو بدونها- قبل أن يستقيلوا من وظائفهم العمومية، احتراما للقانون والعرف والتقاليد السياسية ومقتضيات الحكامة الرشيدة؟
يبدو أن لا شيء مُقدسا ولا مُصانا ولا مُحترما في هذه البلاد التي تواجه حاليا تداعيات "تسونامي" رُهاب الخروج من السلطة لدى الرئيس المنتهية ولايته. فيوما بعد يوم- حتى قبل أن تبدأ رسميا الحملة الإنتخابية- تبدو أعراض الرُهاب واضحة في جميع التصرفات والقرارات.. هروب إلى أمام، تفكك سياسي، تآكل داخلي، وانهيار بطيء رغم محاولات النظام الظهور متماسكا من خلال إطلالات مسرحية تعيسة.. عندما يضع الرئيس نفسَه فوق الجمهورية.. وفوق الديمقراطية.. وفوق الجميع.. مُستخفا بكل شيء، ندرك جيدا حجم المشكلة التي يعاني منها من الناحية السريرية : "رُهاب" الخروج من السلطة تغذيه عقدة "الأبوية" المتضخمة لديه.. نتذكر جميعا تصريحه ذات مرة لقناة فرانس24 : قائلا بأنه "لم يخلق للاستقالة ولا للفشل"..
لكنه ظل مُترنحا.. كمن يحاول التمسك بالسلطة معتمدا على قشة مهما كانت واهنة وضعيفة.. فبعد قشة تغيير الدستور وإلغاء مجلس الشيوخ، وقشة الحوار مع المعارضة، وقشة تفخيخ البرلمان والمأمورية الثالثة، تأتي اليوم قشة المرشح القناع..ورحلات التيه اليائسة..
في خلفية المشهد من حول الرئيس المنتهية ولايته، تظهر وجوه وشخصيات في ديكور سياسي باهت، حزين ومرتبك.. باختصار، إنها بقايا أغلبية مصدومة، مهشمة، ومفككة.. نازفة سياسيا وشعبيا.. وأخلاقيا.. أغلبية ضعيفة ومتناحرة، منشغلة بالصراعات والمصالح الشخصية..أغلبية مساومة ومتاجرة.. لا أغلبية إصلاح أو نجاح..
افتتاحية نشرة التيار السياسي
نواكشوط 25 مايو 2019