وكالة الوئام الوطني للأنباء - أمتنا الإسلامية أمة لديها كل مقومات النجاح فهي أمة يجمعها كتاب واحد ونبي واحد وتؤمن بإله واحد وهذه لعمري مقومات كافية لتوحيد الكلمة ورص الصفوف والتعاضد فمن أين جاءالخلل اليوم؟
و الى متى تظل حالنا هكذا؟
و ما أجمل أن تقرا للشاعر على الشرفاء قصيدة عروبة حائرة التي يستنهض فيها الهمم
ويقول :
إلـــــى متــــى يا أخوتـــــي
تظــــل تشـــــقى أمتــــــي
وجســـــــمها ممــــــــزق
مسحوقة عروبتي
و اقرأ كذلك هذا المقطع الجميل :
إلـــى متـــى هـــذا الشـــقاق
وكيـــف يلتــــقي الرفــــــاق
عروبتـــــــي دم مـــــــراق
في كل قطر قصتي
وإذا استزدت فلك أن تعاود مع الشاعر هذا المقطع الرائع:
أليـــــس بينـــكم رشـــــيد
يعيـــــد مجـــدنا التليــــــد
ويشــــرق الفجـــــر الجديــد
وترفعون راية لعزتي
فما أحوجنا أيها المفكر الكبير و الشاعر و المصلح الجليل الى هذا الفكر الراشد والى من
ينفض الغبار عن أمجادنا الضائعة وان نستيقظ بطلوع فجر جديد
وما أصدق قولك فينا فهل نعي و هل نفيق؟؟ انا اذا لمنتظرون...
و ما سبب كل هذا؟
هل السبب هو الخطاب الديني أو الخطاب اإللهي أم هما معا؟
بداية يرى المفكر أن الرواة اختزلوا الدين في العبادات دون المعاملات وأهملوا القيم التي
ينادي بها الدين كالتسامح والايثار والخلق الحميد والتفاني في العمل وحفظ الجار والعدل
واختلط على المسلمين الخطاب الإلهي بالخطاب الديني فاعتبروا واعتقدوا أن الدين منحصر
في العبادات بالمسجد وأنه لا يتجاوز ذلك إلى المجتمع والتعامل معه والحياة وفهمها
وانعكس ذلك على الفرد والمجتمع.
فما الفرق إذن بين الخطابين الديني والإلهي؟
على هذه اإلشكالية بنى على الشرفاء منهجه الدعوي الرامي إلى تخليص الدين من
الروايات.
يجيب الكاتب على هذه الاشكالية في كتاب يتألف من 302 صفحة من الحجم الكبير.
صادر عن دار النخبة بأبوظبي يوليو 2018
في هذا الكتاب الذي يتألف من أكثر من 20 عنوان باإلضافة إلى التقديم ومقدمة للمؤلف
جاءت مرصوصة ومرصوفة بطريقة محكمة ومنهجية واضحة أحاط فيها المفكر بمحتويات
الكتاب مع إلحاح على إشكالية وضعية أمتنا التي تحولت إلى إشكالية تشغل العالم.
ما السبب فيما تعيشه األمة اإلسالمية اليوم من واقع متردي والنكوص الذي آلت إليه
األحوال بسبب االنقالب على القرآن والعزوف عنه كنص قطعي والسير لهاثا وراء
الروايات واإلسرائيليات المضللة خصوصا بعد أن اندس اليهود والمجوس ومن له نوايا
خبيثة في صلب الدولة اإلسالمية وأصبحوا يبثون سموما داخل حقلها المعرفي الديني مما
أدى إلى التفرقة والتشتت والتناحر.
لهذا جرد الكاتب قلمه لمحاربة هذه الوضعية وانبعثت أطروحاته الجليلة والجريئة تذكرك
بأطروحات الكواكبي في سعيه إلى البعث ومحاربة االستبداد السياسي وتجهيل الشعوب.
تتحدى أطروحة المؤلف أغالل التقليد األعمى وسدنة الرواية والتشيع والطائفية والتحزب
ساعية إلى تجديد الخطاب وتوحيد األمة بالرجوع إلى معاقل الدين األولى بل إلى معقل
الدين األول مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أيام الوحي لبناء إسالم خال من الدخيل
قوامه إيمان بإله واحد، هو هللا ورسالة واحدة، هي القرآن ونبي واحد هو محمد صلى هللا
عليه وسلم، المبلغ المرشد وليس المهيمن المتغطرس الذي وصفه هللا تبارك وتعالى يقوله:
)وإنك لعلى خلق عظيم(صدق هللا العظيم
هذه المحامد الكريمة وهذه األفكار القيمة، تجدها مبثوثة هنا وهناك في ثنايا كتاب المسلمون
بين الخطاب الديني و الخطاب اإللهي وفي بقية كتب المفكر وكتاباته وآرائه فإذا كان
الكواكبي قد جرد قلمه لمحاربة االستبداد واالستعباد في أرقى مراحله الذي هو االستماتة في
سبيل الباطل وما أكثره حيث يقول: "إن أرقى مراحل االستبداد أن يستميت المرء في سبيل
الباطل استماتته في سبيل الحق"، فإن األخ علي قد سخر فكره لصقل الدين من الشوائب
وإبعاد الدخيل واللصيق مؤكدا على أهمية التعايش السلمي واالنفتاح على اآلخر وإشاعة
الرحمة واإليثار والعدل والسعي إلى تحصيل العلم واالبتكارات وأن يكون ذلك كله مسخرا
لعبادة هللا كما في اآلية:)قل إن حياتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل رب العالمين( صدق هللا
العظيم.
ولكن بسبب االنشغال عن الخطاب اإللهي وبسبب عدم تدبر القرآن وتحكيم العقل وبسبب
إشاعة الخطاب الديني المبني على التكفير بدل التفكير انتشر التمذهب والتزلف للسالطين
والساسة وانقسمت األمة أشالء متفرقة واتسع التمذهب والتحزب ووجد األعداء من أين
يدخلون، فما سبب كل هذا؟
يرى المؤلف أن الدين عبادات ومعامالت كلها لتحقيق غاية قصوى، هي تطهير النفس
وتمكين األخالق والقيم الفاضلة. فالصالة والصوم والحج والزكاة بتعبير المؤلف عبادات
وممارسات وشعائر تعبدية ولكنها باألساس تدفع اإلنسان إلى اإلسالم الذي هو جملة
األخالق التي جاء بها القرآن ودعا إليها النبي صلى هللا عليه وسلم )انظر ص 44 )وهذه
الوسائل تكمن في التذكر والتربية والتزكية وغاية التذكير والتزكية والتربية، عبادة هللا لمن
استخلف على األرض سعيا إلسعاد البشرية.
وفي باب الجهاد ومفهومه أوضح الكاتب أن الجهاد ليس القتل والتدمير وإنما هو جهاد
النفس والتقيد بأوامر هللا في مواجهة األعداء الذين يريدون شرا ومنعهم من االستيالء على
ثروات الناس واستباحة حرماتهم وضوابطه واضحة في اآلية الكريمة )وقاتلوا في سبيل هللا
الذين يقاتلونكم وال تعتدوا إن هللا ال يحب المعتدين( صدق هللا العظيم )ص 188.)
فكيف خرجت علينا فرق ومواليد غير شرعية تتسمى باسم اإلسالم وهو منها براء فتدنس
أرض هللا الطاهرة وخاصة المشرق منها مهبط الديانات ومهد اإلشرافات السماوية فتقتل
وتدمر وتنهب خيرات الناس رافعة علم التوحيد وكلمة ال إله إال هللا.
هذه الطفيليات التي وإن تعددت األسماء والتيكتات فالمنتوج واحد والماركة مسجلة وهي:
إرهاب البشرية ونشر الذعر والخوف والفتنة واإلسالم من كل هذا براء. فاإلسالم حقا،
إشاعة الرحمة والتواد والدعوة إلى هللا بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة ولن نتخلص
من هذه األمراض الخبيثة حسب المفكر علي الشرفاء إال بالرجوع إلى القرآن كمرجع
للتشريع ومنبع لالستنباط ونور من هللا يخرج الناس من الظلمات إلى النور بعد أن تراجع
المسلمون في شتى علوم الحياة وتراجع التفكير في البحث واإلبداع وأصبح المسلمون
يتلقون فوائض ما تجود به أسواق الغرب عليهم ويدفعون لهم ثرواتهم ثمنا رخيصا فانشغلوا
بأنفسهم وغيرهم يشتغل بجد واجتهاد لتطوير العلوم وتنمية األوطان لتحقيق الرفاهية
لشعوبهم ونحن رضينا بالدماء تروي األرض بغيا وظلما وتخلفا عندما تركنا رسالة العلوم
واإليمان وحلت مكانتها دعوة القتل والطغيان )ص 103.)
الدكتور شكري الميموني مدير الدراسات الشرقية والعربية جامعة ريينII بفرنسا
الدكتور محمد الرباني رئيس قسم الدكتوراه جامعة نواكشوط موريتانيا
)المقال مترجم بالفرنسية(