وَدِدْتُ لو لم أتناولْ هذا الموضوعَ لعلمي أن السّاحة القارئةَ مصابةٌ بسوء الظنِ, ما إنْ يكتُبْ كاتبٌ يقاُل:كذا وكذا..
ولئن كان هذا يصدُقُ في البعضِ فهو لا يمنع الغيْرَ من البحْثِ والتَّحْليلِ في قضايا هامة.
الموضوع:
بدأ الوزير الأوّلُ خطابه باسم الله وصلّي علي الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وتوجّه بالشّكرِ للبلدِ المضيفِ ممثلًا في الوزير الأولِ وخاطبَ رؤساءَ الوفودِ باسم رئيس الجمهورية الذي قال عنه: ``أتشرف بتمثيله ``
ثم نوّه بالعلاقة الطيبة التي تربط البلدين مثنيا علي دعم اليابان مستحضِراً المبادئ التي قام عليها مؤتمر توكيو للتنمية.
وذكر الدورَ المحوري لليابان خدمة لتنمية بلدان القارة الإفريقية مبرزا أن البلدان هي من اتخذ المناهجَ وأن اليابان واكبتْ :إنه احترامٌ للذاتِ الإفريقية والتحلي بقدٍر من النِّدّية لا الانصياع للتبعية العمياء.
ثم اعتزَّ بمساهمة اليابان في إبراِزِ الدّورِ الاستراتيجي لإفريقيا أمام الفاعلين الدوليين وهنا أيضا تفطّنَ إلى أن الذي تمّ هو العونُ بينما إفريقيا قامت وتقوم بما عليها وهو أيضا ابرازٌ لقارة كبيرة لا يليق بها البقاء تابعة أو أن يظّلّ دورُها نافلةً .
وبعيدا عن القيل والقالِ السياسي ذكَرَ أن موريتانيا في مرحلةٍ مفصليةٍ وأن ثمة إرادة قوية لتعزيز أركانِ دولة العدلِ والمساواة والإخاءِ والمواطنة لضمان تعليمٍ جيدٍ وتغطية صحّية كاملة وضمان التشغيل للمواطنين للقضاء علي الفقر والهشاشة .
كانت الإشارة إلى التحوّلِ السياسي واضحة في الخطابِ دون تكلّف زائدٍ كأنه يشير إلى أن التّحول السّياسي الذي تمَّ عندنا طبيعيٌ وغير ملفتٍ إذ هو احترامٌ لدستورِ البلد.
أما الجملة التي ورد فيها السياق فكانت تقنينية توكيدية بدأت ب :``إننا.``.ونعلم من دوروس الجامعة أن الجمل الاسمية أًصدقُ .
وفي موقف لافتٍ جدا ذكّر الوزير الأوُل بالتعليم تجْسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية الذي يمثلُ التعليمُ ركنَه الأساسي
فإن أنت تابعتَ تسلسلَ الأفكارِ وجدْت العدلَ والمساواة في المقامِ الأّوّلِ يليهما التعليمُ لأنه لا يكونُ إلاّ في بيئةٍ عادلةٍ يتساوى فيها الجميعُ .
فإذا تم التعليمُ أمْكَنَتْ التغطيّةُ الصّحيّة التي هي رهينةٌ بمستوي علميٍّ مقبولٍ ومن بعدُ أيْ بعد التعليمِ والصحةِ نضمنُ التشغيلَ :نعلم أن العِلمَ والصحةَ يشكَلان الرّافعة الكبرى للتنميةِ حيث الجاهلُ والمريضُ يعجزان كليهما عن أي دور خلاّقٍ وذاك تبعا للمبدأ :فاقد الشيء لا يعطيه .
وتابع الوزيرُ الأوّلُ بالتأكيدِ والتوْكيدِ مستعمِلا الأدواتِ المناسبةَ:إن وكلمة يلزمنا التي تدل صراحة على الإلزامِ وكلمة التوطيد التي يخدمُ معناها هذا التوجهَ .
وقد لاحظتُ في الخطاب تعبير :``العمل الجاد`` فإلحاق النعت _الجاد –فيه أيضا دلا لاتٌ لا تحْصى ,نحن نعلم التلاعبَ الذي غالبا ما يلحقُ الأعمالَ إذا لم تواكبْها الجدّيّةُ .
وقد وردت كلمة ``يلزمنا ``مرّتين ولا أعتقد أنها تكرارٌ بل للتنصيصِ على أهميّة الشيءِ المراد حصوله.
ولأن الأمنَ في الساحل أساسٌي لم يفوّتْ الوزيُر الأولُ فرصة التذكير به في إشارة إلى أن موريتانيا يرجعُ لها فضلُ تأسيس قوَة السّاحلِ.
وكان للاستقرارِ والتغيُّرِ المناخي في الخطابِ حضورٌ كبيرٌ لم يغِبْ علي الخطيب أيضا.
ودون أن يفوِّتَ فرصة الدّعوة إلي الإسهام في الو رشاتِ المقامة و التي ستقامُ طلبَ من المستثمرين استغلالَ مناخِ الأعمال الجذّابِ وفرصَ الاستثمار الهائلةِ في موريتانيا مستعمِلا صيغة المبالغة في محلها.
لقد كان الخطابُ في جملٍ محدودة محشوّةٍ بالدلائلِ والمعاني و محسوبة جدا :أتَتْ باللّازم وتجنّبت الإطنابَ .
كما كان اختيارُ الألفاظِ والتراكيب هو الآخر جيدٍا حيث أُريدَ له أن يخدم الأفكارَ بشكل مناسبٍ.
والذي لفت انتباهي بعد تفطّنِ هو بساطةُ التراكيبِ وقصرُ الجملِ والمجيء بالمفيد والابتعاد عن الخُزَعْبَلاتِ المرتبطةِ غالبا بالنفاقِ السياسي الذي عانت منه مؤسساتُنا العليا صاحبة الأبّهةِ والقرارِ .
إن تسلسلَ الأفكارِ أساسيٌ في أيّ خطابٍ رسميٍّ : العَدْلُ –المساواة- التعليمُ –الصّحة التّشغيلُ وقد رأيت أن هذا مناسبٌ إذْ يتجنَبُ قفزَ المراحلِ تماما فهو يماثل : لاحظَ ا-فترضَ - قنّن و زرعَ - حصد ...
إن خطاب المؤتمرات يجب أن يكون ملتِزما ,يَتوجّهُ للنخْبةِ فعْلًا لكن من دون أن يكون في بُرْجٍ عاجيٍ لأنه أيضا للعامّة وعليه إن أريدَ له أنْ يُقرَأَ أن يَقْتَصِدَ الوقتَ الذي يأخذ والمساحة التي يحتَلُّ في شاشة القراءة والمدادَ والورق الذي به يُكْتبُ .
ولنْ أنهيَ دون الإشارة إلى الإرثِ الأدبي الحسنِ والغنيِّ للوزيرالأوَل فقد قيل عن جدّه أنه كان ``حَسَنةً من حَسَنَاتِ الدَّهْرِ``.
أدام الله عافيته على الجميع...
بقلم: محمد يحيي ولد العبقري