خلال المؤتمر الثالث لرؤساء المحاكم والمجالس الدستورية والعليا بإفريقيا، الذي افتتحت أشغاله، اليوم السبت بالقاهرة، تم استعراض التجربة المغربية في مجال القضاء الدستوري.
وأبرز عضو المحكمة الدستورية السيد عبد الأحد الدقاق، عضو الوفد المغربي الذي يقوده رئيس المحكمة الدستورية السيد سعيد إهراي، الجهود التي بذلها المغرب في مجال القضاء الدستوري لاسيما من حيث العمل بالاتفاقيات الدولية وانخراطه في منظومة حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، أكد السيد الدقاق، أن دستور المملكة، الذي نص على إنشاء المحكمة الدستورية التي بدأت عملها منتصف 2017، يمثل تقدما واضحا في مقاربته للقانون الدولي مقارنة مع الدساتير السابقة التي عرفتها المملكة، وذلك لعدة عوامل مرتبطة بتطورات المحيط الداخلي وبمستلزمات المحيط الدولي.
لكن هذا التقدم الذي سجله الدستور الحالي في تفاعله مع هواجس القانون الدولي، يضيف السيد الدقاق، “لا يخلو من إشكاليات في تفاعل المحكمة الدستورية مع هذا المجال لاسيما عندما تواجه قضايا الدفع بعدم دستورية القوانين وظهور توترات واضحة في مقتضيات القانون الدولي ومقاومة القانون الداخلي”.
وأبرز أنه يمكن ملامسة هذه الممارسات عبر ثلاث مجالات تتمثل في ترسيخ انخراط المغرب في المنظومة الكونية للقانون الدولي ولحقوق الانسان، وتوسيع انخراط البرلمان في المجال الاتفاقي الدولي للمغرب، وتمكين المحكمة الدستورية من التفاعل بشكل أوسع مع قضايا القانون الدولي.
كما تطرق إلى الإشارات الدستورية الدالة على التزام المغرب بمقتضيات الاتفاقيات الدولية سواء تعلق الأمر بمصادره أو بمحتواه، لاسيما فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، مسجلا بهذا الخصوص أن الدستور أكد في تصديره بأن المملكة تتعهد بالالتزام بما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات ، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
وأضاف أن الدستور المغربي خص المعاهدات بوضع خاص اعتبارا لكونها باتت من الأدوات الرئيسية للتعامل بين الدول، لاسيما في ظل حركة تدوين القانون الدولي وإخراجه من الطابع العرفي الذي كان يسمه في السابق حيث تمت الإشارة إلى المعاهدة في الفصل 55 من الدستور، مبرزا أن اختصاص المحكمة الدستورية قد شهد توسعا ملموسا فيما يتعلق بمراقبة مدى ملاءمة المعاهدات التي يصادق عليها المغرب مع المقتضيات الدستورية.
وأكد السيد الدقاق، من جهة أخرى، أن انخراط المملكة في منظومة حقوق الإنسان بدأ بشكل تدريجي ليظهر في نهاية الثمانينات بشكل واضح حيث أن من لحظاته القوية تشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة.
ولفت إلى أنه تم تدعيم هذا المنحى بتأكيد الدستور الحالي على التزام المغرب بالعمل على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغوي أو الإعاقة، وكذا جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة ، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية .
كما تطرق إلى إشكالات تدبير المجال الاتفاقي الدولي، مشيرا بهذا الخصوص ، إلى أنه بالرغم من التقدم الذي سجله الدستور الحالي فيما يتعلق بتوضيح موقع المعاهدات في النظام الدستوري المغربي، فإنه “لم يحسم بشكل قاطع في مجموعة من الإشكالات التي سيواجهها القاضي الدستوري وهو بصدد التصدي لمراقبة مقتضيات المعاهدات المبرمة أو الالتزامات الدولية”.
وأضاف أن التراكم المغربي سواء في مجال الإدماج التشريعي للاتفاقيات أو فيما يخص الرقابة الاتفاقية “لازال متواضعا كما تدل على ذلك القوانين التي كرست سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الداخلي أو الأحكام المحدودة الصادرة عن مجموعة من المحاكم المغربية”.