الوئام الوطني ـ تقارير ـ لا يزال الرأي العام الموريتاني في أعلى مستويات الترقب لإنشاء مؤسسة تسمى "محكمة العدل السامية" تلك المؤسسة التي لم يكتب لها بعد أن ترى النور ولو لأيام معدودات.
مشروعية النشأة
صادقت الجمعية الوطنية يوليو الماضي على تعديل قانون المحكمة بعد أن أصبحت وحيدة عقب إلغاء مجلس الشيوخ ليصبح عدد قضاة المحكمة 9 حيث تشير المادة الثانية من مقترح القانون النظامي المعدل والمكمل للقانون النظامي رقم 021-2008 الصادر بتاريخ 30 ابريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية إلى أن محكمة العدل السامية تتكون من تسعة قضاة أصليين وهم نواب ينتخبون وفق مبدإ النسبية لمدة المأمورية من طرف الجمعية الوطنية بعد كل تجديد عام.
ويتم انتخاب خلف لكل قاض وفق نفس الشروط التي يتم وفقها انتخاب القاضي البرلماني.
وتتشكل محكمة العدل السامية خلال الدورة الأولى من كل إنابة تشريعية.
دافع التأسيس
وبعد تشكيل لجنة تحقيق برلمانية كان لزامـا أن تعلن تشكيلة محكمة العدل السامية لضمان البت في تهم قد يكون أضلاعها رئيس الجمهورية وبعض أعضاء الحكومة، وهذا مجال تدخل المحكمة وصميم اختصاصها.
ومن هنا تمت إحالة القرار المنشئ للمحكمة للمجلس الدستوري ليصادق عليه في نوفمبر الماضي ويعلن أنه "مطابق للدستور"، وبالتالي فتح المجلس الباب أمام تشكيل المحكمة.
لماذا التأخر
مع اكتمال الإجراءات التحضيرية لا يزال تشكيل المحكمة أمر لم يتحقق بعد، وهو ما دفعنا لطرح سؤال عن سبب هذا التأخر، ومدى شرعيته.
يعتقد النائب البرلماني عن حزب التحالف الوطني الديمقراطي الدكتور باب ولد بنيوك، ان التأخر في تشكيل محكمة العدل السامية يعود بالأساس الى الخلافات البرلمانية في تفسير توزيع القضاة التسعة، ففريقي (التكتل اتحاد قوى التقدم ) و(الصواب التحالف ) يعتقدان بأحقية كل منهما بعضو في المحكمة وهو ما رفضه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يعتبر انه يحظى بأكثر من ثلي مقاعد البرلمان وهو ما يمنحه 6مقاعد من اصل 9 مقاعد هي عدد قضاة المحكمة هذا الخلاف لم يحسم بعد.
ويضيف في تصريح للوئام "رغم أن الفريق الوحيد الذي حسم موضوع عضوية المحكمة هو فريق الميزان بموجب اتفاق بين أحزاب، الكرامة، والاتحاد من اجل الديمقراطية والتقدم، والتحالف الوطني الديمقراطي، وهي الأحزاب التي تمتلك مجتمعة 16 نائبا من اصل 24 نائبا هي مجموع نواب الفريق.
وقد منح هذا الاتفاق عضوية محكمة العدل السامية لحزب التحالف الوطني الديمقراطي.
كيف قرأت المعارضة تأخير تشكيل المحكمة
أما النائب عن حزب التحالف الشعبي التقدمي اسغير ولد العتيق، فيرى أن تأخير تشكيل المحكمة أمر غير طبيعي، مبدئيا، لأنها مؤسسة دستورية والمؤسسات الدستورية يجب ان تكون قائمة ، شكلا ومضمونا، وتمارس مهامها بكل حرية وتجرد وصدق.
ويضيف خلال تصريح للوئام "محكمة العدل السامية مؤسسة دستورية ، شأنها شأن المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومؤسسة الرئاسة، ومختلف الهيئات الدستورية، فهي يجب ان تكون قائمة، وإلا فإن اي تعطيل مؤسسة من المؤسسات الدستورية يعني اختلالا في الديمقراطية.
ويستطرد النائب ولد العتيق "هي لم تنشأ للشكل، فهي تنشأ لأجل ان تمارس مهامها والتي لا يمكن أن يمارسها إلا هي .
ولها اختصاصات محصورة عليها، وبالتالي تعطيلها، تعطيل غير مبرر بأي حال من الاحوال، كان يجب ان تكون مؤسسة قائمة
وأردف "هذه المؤسسة في الحقيقة لم يسبق أن وجدت، أنشئت لوقت وجيز فترة انقلاب الرئيس السابق ولد عبد العزيز، وأنشئت على مزاج ، ولم يكتب لها الاستمرار، وهذا خطأ، فالمؤسسات الدستورية يجب ان تكون قائمة.
إذًا تعطل هذه المحكمة غير طبيعي وغير مقبول، وغير ديمقراطي، وليس دستوري.
يجب ان تشكل المحكمة ويوجد لها مقر سواء تم التوافق أو لم يتم فالمهم أنها مؤسسة دستورية يجب أن تنصب.
الأغلبية داعمة لتشكيل المحكمة
بين تباين الآراء حول ما إذا كانت الأغلبية البرلمانية غير متحمسة لتشكيل المحكمة أم لا، عقد الفريق البرلماني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، مؤخرا مؤتمرا صحفيا قال فيه إنه يأمل انتخاب أعضاء محكمة العدل السامية في أول دورة برلمانية.
وأشار الفريق في ذات المؤتمر إلى أن ظروفًا ـ لم يكشف عنها ـ حالت دون انتخاب أعضاء المحكمة خلال الدورة البرلمانية المنصرمة.
وأوضح الفريق البرلماني أنه كان "يحرص على أن ينتخب أعضاء محكمة العدل السامية خلال الدورة البرلمانية المنصرمة".
ويهيمن الفريق البرلماني لحزب الـ UPR على ثلثي مقاعد البرلمان الموريتاني، وبالتالي فهو صاحب النصيب الأكبر من أعضاء المحكمة.
ملف اللحظات الأخيرة
وعن سبب عدم إثارة ملف تشكيل المحكمة إلا في الساعات الأخيرة من الدورات البرلمانية المنصرمة يقول النائب باب بنيوك "لا اتصور ان الامر مقصودا أو متعمدا، انما هذه الدورة شهدت ضغطا كبيرا في مشاريع القوانين بالإضافة إلى انها معروفة بدورة المالية حيث تعرض القطاعات الوزارية خلالها برامجها السنوية وهو ما جعل الوقت يضيق عنها.
هذا اضافة الى الاكراهات التي فرضها وباء كورونا من حيث التجمع والانتقال، كل ذلك لم يكن مساعدا على تشكيلها.
الأرضية الملائمة
ربما تحول ظروف معينة دون تشكيل محكمة العدل السامية، تنضاف للجدل القائم بين النواب حول أحقية بعضهم بمقاعد لا يراها البعض الآخر، يرى النائب ولد بنيوك "ان تشكيل المحكمة لا يحتاج إلى ارضية مناسبة فهي مؤسسة دستورية ينبغي تشكيلها فورا ولا يوجد اي مانع يمنع من تشكيلها.
هل ستكون الدورة المقبلة حاسمة
وبين حرص الجميع داخل أروقة البرلمان على أن تشكل المحكمة وترى النور ولو لم تحسم بعد الملفات التي ستحال لها، وكون تشكيلها أمر لا يزال معلقا، تشير المؤشرات إلى أن تشكيل المحكمة أصبح مسألة وقت، ولكن هل سيكون بمقدورها محاكمة الرئيس السابق وكبار معاونيه، سؤال سيظل مطروحا لحين تحديد أسماء قضاة المحكمة، وتنفيذ مهمة الإدانة في خطوة حينها ستكون الأولى من نوعها في موريتانيا.