الدبلوماسية الموريتانية فى اوقات الأزمات : النجاعة والحلول /الكاتب والدبلوماسي سيدي ولد أمجاد

 مع وصول عدد من طلابنا الدارسين في اوكرانيا اليوم إلى أرض الوطن ، بسلامة وأمان  ونجاح الجهود الدبلوماسية  الوطنية في تأمين جميع الطلبة الموريتانيين خارج منطقة الحرب الدائرة رحاها في العاصمة كييف وبقية المدن الأوكرانية الأخرى ، باهتمام خاص ومتابعة مستمرة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، تتأكد يوما بعد يوم على أرض الواقع الروح الحقيقية لدبلوماسيتنا الموريتانية ، القائمة على الحفاظ على مصالح كل الموريتانيين أينما كانوا ومهما كانت الظروف، خاصة في اوقات الأزمات الصعبة مثل إطلالة الحرب الروسية الأوكرانية ، التي اندلعت شرارتها بين البلدين قبل عدة ايام فحاصرت بشكل خطير  عددا من طلبتنا الدارسين في اوكرانيا ، لكن سرعان ما تدخلت وزارة الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج ، لتطويق تداعيات هذه الازمة الخطيرة المفاجئة  والتي ما زالت دول عديدة عاجزة فيها حتى الآن عن إخراج مواطنيها هناك من تنور  القتال الشديد المحتدم بين روسيا واوكرانيا .

نعم لقد تبين بوضوح وجلاء رغم  انتشار بعض الشائعات والدعايات الكاذبة عند أول وهلة ، ان موريتانيا بجهودها الدبلوماسية وإمكانياتها الخاصة استطاعت بنجاح ان تتواصل عن قرب مع فلذات اكبادها المحاصرين في فوهة النيران، فشكلت مبكرا خلية أزمة وطوارئ عاجلة تعمل على امتداد 24 ساعة ، بالتعاون مع كل الجهات المعنية داخل وخارج الوطن ، واعتمادا على  تجربة وعلاقات واسعة لراس الدبلوماسية الوطنية ؛ لم تمض سوى ايام قليلة جدا حتى بدأت بشائر الانفراج تلوح من محطات قطار الموت في اوكرانيا ، فتم إحصاء وإخراج جميع الطلبة الموريتانيين من فوهة البركان إلى مناطق حدودية آمنة في الدول المجاورة لأوكرانيا ، ليجدوا في  استقبالهم بعين المكان  طاقما دبلوماسيا موريتانيا قطع مسافات بعيدة جدا من أجل مهمة واحدة ، هي الإشراف المباشر على التكفل بأمورهم ومساعدتهم على الاستقرار في أماكن آمنة وتدبير عودتهم سالمين غانمين إلى أرض الوطن على حساب الدولة الموريتانية فقط لا غير ولو تقول المرجفون بغير ذلك كذبا وزورا ، فابناء موريتانيا لهم ركن ركين سيحميهم ومن ذا سينوب عن الأب الحنون والأم الرؤوم في رعاية أغلى الناس ، هؤلاء الطلبة المغتربون الذين يمثلون بحق قيم وأخلاق الشناقطة في الصبر  والقناعة من أجل التعلم وكسب المعارف ولو شط المزار.

وبعناقنا جميعا اليوم في مطار نواكشوط للدفعة الأولى من هؤلاء الطلبة الموريتانيين العائدين بسلام ولله الحمد من اوكرانيا في أجواء فرحة أهلية ورسمية غامرة ، لابد من توجيه تهنئة خالصة وكبيرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، الذي أكد معالي وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد في اليوم الأول لاندلاع الازمة ، ان فخامته كان يتابع عن كثب واهتمام خاص الجهود الدبلوماسية المبذولة لضمان سلامتهم وخروجهم آمنين مطمئنين من قمقم هذه الكارثة العسكرية الجديدة ، حيث قال معالي الوزير إن فخامة الرئيس كان يتصل به  زهاء ثلاث مرات في الليلة الواحدة وفي اوقات متأخرة احيانا لمواكبة الخطط والعمليات الجارية في خلية الازمة التي شكلتها الوزارة من أجل حلحلة هذه المشكلة حتى انكشفت الغمة وجاءت البشرى ولله الحمد. 

لقد ساهم المؤتمر الصحفي السريع الذي عقده في البداية معالي وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في تنوير الرأي العام بوضوح وشفافية حول مختلف جوانب الصورة والمشهد الراهن آنذاك ؛ وآفاق استشراف الحلول  التي تم تفعليها في كل الاتجاهات وبطابع موريتاني دبلوماسي صرف بغية الوصول بطلابنا اخيرا إلى بر الأمان .

وكان للاتصال المباشر والتنسيق اولا مع أهالي الطلبة في الداخل وبعثاتنا الدبلوماسية المعنية في الخارج ، الدور الإيجابي والمطمئن في  تجنب الكثير من المخاطر وأخطاء الارتجال في مثل هذه المساعي الحساسة جدا ، والتي ما كان لها أن تؤتي أكلها سريعا بعد فضل الله سبحانه وتعالى ، والرؤية الثاقبة لفخامة رئيس الجمهورية، لولا الحكمة  والمراس واجندة العلاقات الدبلوماسية الواسعة التي يتمتع بها معالي وزيرنا للخارجية والتعاون السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد،  وهو شيء يذكر فيشكر والحق يقال إذا وجب تبيانه، وجاء في سياق الزمان والمكان ما يدل عليه من مؤشرات النجاعة والحلول خاصة في اوقات الشدة والازمات ، لدبلوماسيتنا الموريتانية اليوم ، التي يبدو أنها فعلا وجدت جذيلها المحكك والرجل المناسب في المكان المناسب، الذي لا يريد من خلال هذا المنصب مالا ولا جاها او شهرة  وإنما موريتانيا أرض الرجال مهابة محترمة مرفوعة الهامة والراية في كل المحافل العربية والإسلامية والدولية في عهد جديد ومختلف ، سمته بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، رفعة ونهضة وقوة موريتانيا في كل المجالات، والولاء الصادق لقيم وأخلاق وثقافة هذا الوطن الشنقيطي الأصيل ، الذي انجب خيرة الأولياء والمتصوفة الصالحين، وجهابذة العلماء والأدباء النابغين ، الذين كانوا لنا خير سلف ، ويجب أن نكون لهم خير خلف .

بقلم :  سيدي ولد أمجاد 

كاتب ودبلوماسي موريتاني - باريس 
7مارس 2022

اثنين, 07/03/2022 - 20:56