يستعد الموريتانيون لاستقبال شهر رمضان الكريم، وقد تأثروا مثل غيرهم من شعوب العالم بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وسط تباين في وجهات النظر حول مدى نجاعة الخطط الحكومية والاستعدادات الخاصة لاستقبال شهر رمضان، خاصة فيما يتعلق بتوفير السلع بأسعار ملائمة.
الإحصاءات الصادرة عن الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديموغرافي والاقتصادي في موريتانيا تشير إلى استمرار ارتفاع معدل التضخم عن شهر فبراير الماضي، على النحو التالي:
تواصل ارتفاع معدل التضخم إلى 10.1 بالمئة، مقارنة بـ 9.9 بالمئة في يناير، و9.6 بالمئة في ديسمبر 2022.
ارتفاع معدلات التضخم يعود إلى تسارع ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والمشروبات إلى 16.2 بالمئة خلال فبراير مقارنة بـ 15.9 بالمئة في يناير.
ويثقل ارتفاع معدلات التضخم في موريتانيا كاهل الأسر، لا سيما قبل شهر رمضان المبارك المعروف في البلدان الإسلامية بتزايد الطلب خلاله على السلع الأساسية.
هل تنجح خطة الحكومة للتخفيف عن كاهل المواطنين؟
نقيب الصحافيين الموريتاني السابق، محمد سالم الداه، يقول في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الأزمة الاقتصادية العالمية انعكست على كل الدول تقريباً، خاصة الدول التي تتشابه مع حالة موريتانيا، وربما يظهر التأثير أكثر مع اقتراب شهر رمضان الكريم كونه يعد الشهر الذي يشهد ارتفاعاً بمعدلات الاستهلاك.
ويضيف: الحكومة الموريتانية في المقابل -وفق آخر اجتماع لمجلس الوزراء- وضعت خطة شاملة للتعامل مع ارتفاع الأسعار ومسألة توفير السلع الأساسية، كما وضعت أيضا خطة خاصة تتعلق بشهر رمضان الكريم، تشمل ما يلي:
توفير جميع السلع الأساسية اللازمة لشهر رمضان وضمان تواجدها في الأسواق حتى نهاية الشهر الكريم.
العمل على توفير السلع بأسعار مخفضة وإحكام تدخل التجار في أسعارها حتى تبقى مناسبة لجميع المواطنين الموريتانيين.
جمع القدر الكافي من السلع الأساسية لتحقيق ما يشبه الاكتفاء لتلبية احتياجات المواطنين طوال الشهر الكريم.
ويشير الكاتب الصحافي الموريتاني إلى أن الحكومة في الوقت ذاته قررت فتح منافذ خاصة لبيع السلع الأساسية للفئات الأكثر هشاشة أو ذات الدخل المحدود، مؤكداً أن السلع ستتوافر في تلك المنافذ بأسعار مخفضة وتلبي احتياجاتهم خلال شهر رمضان.
ويوضح أن السلع التي اهتمت بها الحكومة لتوفيرها قبيل الشهر الكريم هي السلع التي تشهد طلباً واسعاً، مثل الخضروات والفواكه والسكر والزيوت والتمور بجميع أنواعها، مؤكداً أن تلك الإجراءات خلقت قدراً من الطمأنينة لدى المواطنين قبيل رمضان.
وكان صندوق النقد الدولي توقع الشهر قبل الماضي أن يستقر معدل التضخم في موريتانيا عند حوالي 11 بالمئة في انعكاس للسياسة التي يتبعها البنك المركزي الموريتاني، وذلك بعد أن منح الصندوق الحكومة الموريتانية قرضاً بقيمة 86.9 مليون دولار، بالتوازي مع سلسلة من "الإجراءات الإصلاحية" التي تتبعها السلطات للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وفق الصندوق.
أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد
بدوره، يقول المحلل الاقتصادي الموريتاني، الدكتور مولاي ولد أگيگ، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أكثر من 56.9 بالمئة من الموريتانيين يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد، ولا شك أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا كانت لها تأثيرات كبيرة وفادحة، إذا وضع في الاعتبار أن موريتانيا دولة مستوردة بالأساس، وتعتمد على الخارج بشكل كبير.
ويوضح أنه للتخفيف من الأثر السلبي للأزمة قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءات بعضها علاجية والأخرى وقائية، وتمكنت بلا شك من الحد من تفاقم الأوضاع المعيشية لبعض الفئات الهشة والفقيرة، إلا أن الطريق لا يزال صعباً، نظراً لضعف القدرة الإنتاجية للدولة وضعف القدرة الشرائية للأسر.
وعن الإجراءات التي قامت بها الحكومة قبيل شهر رمضان المبارك، يقول المحلل الاقتصادي:
- المصالح الحكومية باشرت التفاوض أخيراً مع اتحادية التجار حول الآليات الكفيلة بتسيير الأوضاع خلال الشهر وضمان تمويل السوق بالمواد الاستهلاكية الأساسية إضافة إلى منع المضاربات والاحتكار.
- الحكومة أعلنت الشهر الماضي عن تفاصيل خطة رمضان التي تعتزم إطلاقها والتي تهدف بالأساس إلى تأمين السوق المحلية باحتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية.
-دعم المواد الغذائية الأساسية لجعلها في متناول الطبقات الأكثر احتياجاً، والعمل على التوزيع المجاني للغذاء على الفئات الأقل دخلاً.
- من بين المواد الأساسية المشمولة في تلك الخطة الأرز والسكر والزيوت النباتية والحليب المجفف والحليب المركب والبطاطس والبصل والسمك والتمور بالإضافة إلى اللحوم الحمراء لأول مرة.
البزخ والإنفاق الزائد في رمضان
محمد يسلم البار الباحث والمختص في شؤون منطقة غرب إفريقيا يقول لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مسألة أسعار السلع قبيل رمضان أمر محل اهتمام شعبي كبير في موريتانيا، حيث إنها ليست بمنأى عن الوضع العالمي المعاش، مشيراً إلى انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية وكذلك مرحلة ما بعد فيروس كورونا وأعباء قروض المؤسسسات الدولية، فضلاً عن "عدم تجاوز كثير من مواطني موريتانيا أسلوب البزخ والإنفاق الزائد خلال شهر رمضان".
ويضيف: "موريتانيا صاحبة الأكثر من أربعة ملايين نسمة لديها زيادة في التكلفة والإنفاق خلال شهر رمضان وتجهيزات ما قبل الشهر"، مشيراً إلى أن الحكومة الموريتانية بتوصيات مباشرة من الرئيس محمد ولد الغزواني قدمت خطة اقتصادية تهدف إلى الحفاظ على أسعار المواد الأساسية خلال الشهر الفضيل.
لكن البار يتحدث بدوره عن محدودية الرقابة واستغلال بعض التجار للوضع، فيما يعتقد بأن الخطة التي وضعتها الحكومة قادرة على أن تفي بالمطلوب.
ويلفت كذلك إلى أن الدولة أخذت على عاتقها ضمن خطة عملية كانت معدة سلفاً منذ أكثر من عام توفير الحد المطلوب للاكتفاء الذاتي من الخضروات والألبان والأرز في الوقت الحالي، مؤكداً أن هذه الخطة أتت بنتائج ملموسة على الأسواق في المجالات السابقة إذا تمت المقارنة بفترات سابقة.
ارتفاع واسع بالأسعار
على الجانب الآخر، يقول الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل ولد خيري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأوضاع المعيشية في الفترة الأخيرة "صعبة للغاية"، مُرجعاً ذلك إلى ما وصفه بـ "غياب الرؤية للتعامل مع تلك الأوضاع" وأيضاً غياب الإرادة للتخفيف عن كاهل المواطنين، على حد وصفه.
ويوضح أنه تواجد بعض المنافذ التي تم افتتاحها (للبيع بأسعار مخفضة)، لكنها لا تكفي احتياجات كامل السكان. كما يُبرز أزمة تدني الأجور بما يغل يد الكثيرين عن الحصول على كثير من السلع التي ارتفع سعرها، لا سيما اللحوم والأسماك وحتى الدجاج المحلي والخضروات.
ويشير إلى أنه قبيل شهر رمضان تتواصل زيادة الأسعار، على أساس أن الشهر الكريم يشهد ذروة الاستهلاك لدى الموريتانيين، والمستهلكون الموريتانيون لديهم عادة الإقبال على شراء متطلبات رمضان قبيل الشهر بوقت قصير جداً، ولهذا يكثر الطلب على بعض السلع ويحدث ضغط كبير، ما يتسبب في ارتفاع أسعارها؛ كون السعر يتحدد وفق العرض والطلب فقط وسط غياب آليات الرقابة وضبط السوق؛ لأنه في النهاية التجار هم المسيطرون.
كما يتحدث في الوقت نفسه عن ما وصفه بـ "غياب الاستراتيجية عند الأسرة الموريتانية فيما يتعلق بالتحكم في عادات وسلوكيات الاستهلاك".
ويختتم الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني حديثه بالإشارة إلى أن المستهلكين يعتمدون على مادتين أساسيتين في استهلاكهم اليومي هما اللحوم والألبان، وقد ارتفعت أسعارهما بشكل كبير.
وكالات