" المقاومة الثقافية صمام أمان لقيم المجتمع..و موروثه الحضاري " بقلم : حنان محمد سيدي

 

شكلت المقاومة الثقافية الموريتانية التي بدأت منذ الاحتلال الفرنسي للبلاد سنة  1902 م و استمرت حتى الاستقلال 1960م درعا واقيًا للهوية الافريقية الإسلامية العربية..و لقيم المجتمع و موروثه الحضاري و سدًا منيعًا أمام مخططات المستعمر الذي كان يسعى لنشر ثقافته و لغته و حضارته .
و قد تمثلت الأساليب التي انتهجتها المقاومة الثقافية في مقاطعة اغلب السكان لمدارس المستعمر الفرنسي واصدار فتاوى تحرم التعامل مع المستعمر و تدعو للجهاد أو الهجرة ورفض المحاظر التعامل مع لغة المستعمر.
و بالمقابل واجه المستعمر هذا النضال بتشييد المدارس الفرنسية و حظر اللغة العربية و اللهجة الحسانية داخلها وفتح سجلات لمراقبة شيوخ المحاظر ،وتقليص مجال عمل المحاكم الشرعية ،لكن ذلك لم يغير من عزيمة وإرادة المقاومة الثقافية في كفاحها ضد المستعر، و هنا سنقف وقفة إجلالٍ لنستشهد برسالة الحاكم الفرنسي العام في غرب أفريقيا لوزير المستعمرات حيث يقول فيها ( لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا مليئا بالأمجاد ..ما زالت عالقة في اذهانه ..و من الخطأ ان نقارنه بالشعوب الأخرى ذات التقاليد الأضعف و الشعور الوطني الخافت ....)
لكن ذلك لم يغير من عزيمة و قوة إرادة المقاومة الثقافية في كفاحها ضد المستعمر ، و قد كانت المحظرة و الزاوية و الشعر من أهم أسلحة المقاومة  فنجد الشاعر الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا يقول في سبيل الحث على حماية الدين و قيم المجتمع من النصارى :
حماة الدين ان الدين صارا…اسيرا للصوص وللنصارى. 
فإن بادرتموه تداركوه … و إلا يسبق السيف البدارا. 
بأن تستنصروا مولى نصيرا …لمن والى و من طلب انتصارا. 
مجيب دعوة الداعي مجيزا…من الأسواء كل من استجارا.
و قد ساهمت المقاومة الثقافية اسهاما كبيرا في شل و توقف مخططات المستعمر ، فنجد رسالة الحاكم الفرنسي العام في غرب أفريقيا لوزير المستعمرات يقول فيها ( لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا ملينا بالأمجاد ،ما زالت عالقة في اذهانه و من الخطأ ان نقارنه بالشعوب الأخرى ذات التقاليد الأضعف و الشعور الوطني الخافت ، و أكد ذلك الإداري الفرنسي بيرى في تقريره السري 20 أغسطس 1937م حين قال ( انه لا يوجد مجتمع بدوي يبلغ مبلغ الموريتانيين في العلم بالعقيدة و الأدب و الفقه ،و انهم ليتحدثون العربية الفصحى احسن مما يتحدث بها سكان تونس و القاهرة..
و لا تكاد تجد بينهم راعي ابل من أبسط الرعاة إلا و يترنم بالشعر الجاهلي..
و استنادًا إلى هذه الشهادات و غيرها من شهادات العسكريين الفرنسيين من أمثال الجنرال غورو و الرائد جيليي و  النقيب ديفور ،فهناك إجماع على الدور المحوري و القيادي الذي اداه أمراء و شيوخ و وجهاء البلد في تأطير المقاومة و الوجود المكثف لهم في مقدمة الركب و ان أساليب المقاومة الثقافية قد اتخذت اشكالا مختلفة كالمقاطعة الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية للمستعمر..
ومع هذا وذاك واجه الموريتانيون جماعات و فرادى المستعمر الفرنسي على الرغم من ضعف و سائلهم و تواضع امكانياتهم بكل بسالة و شجاعة و قدموا دماءً زكية في سبيل الحرية و الانعتاق ،حتى ارغموه على مغادرة البلاد دون أن يؤثر ذلك على مكونات النسيج الاجتماعي و موروثه الحضاري ولسان حالهم يقول :
سنحمي حماك و نحن فداك ..ونكسو رباك بلون الأمل
و عند نداك نلبي اجل .

أحد, 19/11/2023 - 00:50