ودعت موريتانيا و العالم العربي و الإسلامي فقيد الفكر و النضال و التاريخ و الثقافة ، المرحوم محمد يحظيه ولد أبريد الليل ، الذي يشكل رحيله فاجعة لكل التقدميين و لكل الأحرار و الضمائر النزيهة ، المثقلة بالأمل على مستقبل البلاد و العباد .
رحيل المفكر و المناضل الجسور محمد يحظيه ،خسارة لموريتانيا التي فقدت قامة وطنية و رمزا قوميا ، أرتوت بأفكاره أجيال من الشباب و النخب الوطنية ، طيلة العقود المنصرمة من تاريخ الدولة الوطنية .
رجل فكر و سياسة و تاريخ ، ذو ثقافة واسعة ألهمت قواعد عريضة وطنيا و قوميا عربيا ، عاش على الدرب و ثبات المواقف ، رغم المحن و تقلبات الزمن و إكراهات التاريخ المستعصية ، بما فيها تحمل مختلف الصدمات المؤثرة ، التي عرفتها الساحة الوطنية مع مقاصد الأزمات العربية المتتالية ، التي ظل الراحل شامخا في وجهها ، بل جسورا في تقبل مرارة معظمها في هدوء و صمت مع التماسك الأصلي ، كغيره من الجيل الذهبي العقائدي في الإلتزام الفكري و الأخلاقي ، حتي الرحيل في صمت مطلق دون حس بآلام الفراق ، رغم حجم الفراغ الثقيل و الإرث الإنساني الأبدي .
تميز الراحل بالزهد الدنيوي و تجاهل النزعة المصلحية الضيقة ، ليعتني بالشأن العام في طابعه الوطني والقومي ، مجسدا عقيدة روحية ، تستلهم العبرة من محصلة ثقافات كونية مختلفة ، ضمن كتلة شكلت وعاء الخلفية الحضارية التي عاش من أجلها الفقيد. متبصرا التجارب من جسور عريقة تمتد من العقيدة الإسلامية و النظرية البابلية و الصينية ، حتي الثقافة الأوروبية و الإفريقية، مع التمسك بالخصوصية الجغرافية الشعبية ، الممتدة من واد نون و حتي تومبوكتو ، ضمن مناخ صحراوي مترامي ، تتنازعه عدة مشارب و أقطاب ، ظل محمد يحظيه يؤمن بحتمية الوجود لهذا العنصر و الكائن، مع إلزامية توفر مقومات الحياة الكريمة لهذا التراث الإنساني ، إنطلاقا من خصوصية الرجل و عمق إنتمائه ،مع الوفاء للقيم و المبادئ التي ناضل الرجل من أجلها.
لقد كان محمد يحظيه أحد أبرز العقول الثقافية و الفكرية و مرجعية سياسية ، واكب مراحل تطور الدولة الموريتانية ، بل يشكل كنزا ثمينا يحتاج صبر الأغوار ، لتحقيق مقاصد البحث في حيثيات و عمق التبصر في الخلفيات التاريخية التي لازمت نهج و عقيدة الراحل ، الذي أندثرت مع رحيله مكتبة ضخمة ، إحتضنتها أكنافه و فقدتها الذاكرة الجماعية دون سابقة إنذار .
اليوم نودع خصالا ثمينة و خطا تربويا نفيسا ، سطره ولد أبريد الليل عبر مسار نضالي طويل بكل حكمة و حنكة . سيبقي أروع مثال للأجيال و طريق ناصع الإنتماء الوطني ، لمن أراد الحياة من أجل الآخرين .اللهم أرحمه و أغفر له و تجاوز عنه، اللهم أسكنه فسيح جناتك مع الشهداء و الصديقين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، إنا لله وإنا إليه راجعون، مع تعازينا القلبية الخالصة للشعب الموريتاني و كافة قواه الحية .
بقلم : عبد الصمد ولد أمبارك
رئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الإستراتيجية