
تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا على التنفيذ الفعلي للامركزية الترابية التي تم التخطيط لها منذ زمن بعيد، لكنها لم تُطبق بالشكل المطلوب. ولا يمكن أن تتحقق هذه اللامركزية بشكل طبيعي إلا بمشاركة أبناء كل منطقة، وبالاعتماد على الخصائص الطبيعية والبشرية والاقتصادية التي تميز كل جهة، وذلك ضمن تخطيط وطني متكامل.
ونأخذ على سبيل المثال منطقة نواذيبو، هذه المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية والاقتصادية المتنوعة: المعادن، والمنتجات البحرية، والمقدرات السياحية، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة نتيجة وفرة المعادن في التربة. ورغم هذه الإمكانيات، فإن التنمية المحلية لم تستفد بعد بالشكل الكافي منها.
لذلك، يطالب السكان الأصليون في نواذيبو الدولة بدعمهم من خلال منحهم امتيازات زراعية، وإجراء عمليات تنقيب عن المياه، لتمكينهم من تنفيذ مشاريع زراعية ورعوية طموحة، تشمل تطوير الزراعة، وتشجير المنطقة بأشجار مثمرة، وتحديث تربية المواشي. فقد أصبح من الصعب على القطعان العيش بحرية كما في السابق، بسبب الظروف البيئية القاسية الناتجة عن استغلال الذهب (باستخدام السيانيد والزئبق، ووجود الحفر الخطيرة، وسرقة الماشية)، إضافة إلى التغير المناخي ونُدرة الأمطار التي لم تعد تسقط إلا كل خمس أو ست سنوات.
إن نجاح هذا النموذج التنموي مرهون بتولي السكان الأصليين قيادته، لكنه لا يمكن أن ينجح بدون دعم فعلي من الدولة. وجدير بالذكر أن فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد الشيخ الغزواني، أكد في مناسبات عديدة عزمه جعل الزراعة ركيزة أساسية في سياسة التنمية الوطنية. وحان الوقت لترجمة هذا التوجه إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع.
لقد قرر السكان الأصليون في نواذيبو الشروع في زراعة الخضروات والفواكه، وتشجير منطقتهم، وتحديث تربية مواشيهم، بما يضمن نمط حياة مستداماً. وإذا واكبت الحكومة هذه المبادرة، فإنها ستكون نموذجاً يُحتذى به في بقية مناطق الوطن، وستُثبت أن التنمية الشاملة والمستدامة واللامركزية ليست فقط ممكنة، بل ضرورة وطنية ملحة.
السيد سلامه محمود
نواذيبو – موريتانيا