مقدمة:
بات من الأكيد أنه أصبحت الحاجة ماسة إلى اعتماد رؤية سياسية واضحة تجاه قضايا الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، خاصة بعد إعلان فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني توجيه سياسته في هذا المجال إلى "مدن منتجة" ومحركا للتنمية الاقتصادية. وذلك طبقا لبرنامجه الانتخابي في رئاسيات 2019 "تعهداتي"؛ حيث أشار صاحب الفخامة إلى أنه: (على الرغم من الجهود المبذولة، ما تزال مدننا غير قادرة على توفير الخدمات والمهام الوظيفية المنتظرة منها. فما زالت تتميز بهشاشة السكن، والاحتلال غير الشرعي للمجال العمومي، وفوضوية الانتشار العمراني. وبذلك يصبح التطبيق الصارم للمدونة العمرانية أولوية ملحة).
وتتوفر هذه المدن، بالنظر إلى التطور السريع الذي تشهده، على مقدرات هامة للنمو والتشغيل وتبدو غير مستغلة بشكل سديد. وفي هذا الصدد يضيف فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني أنه: (سيتم تنفيذ سياسة تجعل من مدننا محركا للتنمية الاقتصادية، بحيث تكون خلال السنوات القادمة فضاء للحياة والإبداع ويجد فيها شبابنا فرصا للعمل والترفيه في ظل الأمن التام). انطلاقا من الاهتمام الخاص الذي يوليه صاحب الفخامة لهذا المجال وللبنية التحتية، يؤكد صاحب الفخامة أيضا أنه سيعمل على:
وضع سجل حضري بمعالم جغرافية مضبوطة رقميا؛
تعزيز نظام التخطيط الحضري؛
إطلاق برنامج خاص لتمويل المنشآت الحضرية؛
مباشرة الأعمال الهادفة إلى حماية مدينتي انواكشوط وانواذيب...؛
ستكون مدينة انواكشوط بمثابة الموقع النموذجي لتجريب برامج "سياسة المدينة"، وسيتم إطلاق مشروع بالتعاون بين الجهة، والبلديات، والمجتمع المدني، والشركاء، لجعل نواكشوط مدينة مطابقة للمعايير على جميع الأصعدة (الأمن، التعليم، الصحة، النظافة، المطاعم، النقل، السكن، الرقابة الحضرية، الشغل..، إلخ). وسيمتد هذا النموذج إلى عواصم الولايات قبل أن يعمم لاحقا على جميع المدن.
يلاحظ اليوم أن موريتانيا من بين الدول التي تولي اهتماما بالغا وعناية كبيرة لقطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي. ويعزى هذا بأن المجال الحضاري أصبح يشكل ثقلا ديمغرافيا مضادا للمجال القروي، بالنظر أيضا إلى ارتفاع نسبة التمدين؛ وقد كان ذلك نتاجا للنمو الطبيعي لسكان الحواضر وأساسا نتيجة دينامية الهجرة من البوادي نحو المدن، وبسبب إعادة التصنيف الإداري الذي نجم عنه توسع المدارات الحضرية المدن، أو انتقال مراكز قروية إلى وضعية حضرية، الأمر الذي يؤدي إلى تضاعف الساكنة الحضرية. ولقد نتج عن هذا الانتقال الديموغرافي مجموعة من المشاكل والتحديات التي ساهمت في إذكاء الأزمة الحضرية، الشيء الذي يستوجب معه البحث عن سياسة حضرية معقلنة تضبط نمو وتطور الفضاءات الحضارية.
فالتوسع العشوائي للمدن وارتفاع وتيرة الهجرة القروية والمضاربة العقارية كلها مظاهر ساهمت فيها تراكمات أخطاء سابقة، إلى جانب سلبيات الإرث التاريخي لسياسة التعمير. ولعل أبرز هذه الأخطاء، تتجلى في ضعف النظرة الشمولية المستقبلية لنمو المجالات الحضرية بناء على تخطيط حضري يحدد الخطوط العريضة لسياسة إعداد التراب الوطني، ومن ثم فالحاجة أصبحت تدعو إلى تطبيق سياسة تعميرية ملائمة للحفاظ على سلامة بيئة عيش المواطنين وضمان سهولة تنقلاتهم وتخصيص أماكن للتجهيزات العمومية ومناطق للأنشطة الاقتصادية مع توفير أسباب الراحة والطمأنينة، بالإضافة إلى وضع مقاربة تشاركية منسقة ومعقلنة بين مختلف المتدخلين، وذلك من أجل إنتاج مدن ذات وظيفة هادفة نحو تطوير الاقتصاد والمجتمع.
كل تلك التراكمات أو الأخطاء تجعل من المسألة الحضرية تحديا للسلطات العمومية في ميدان تدبير المجالات الحضرية. ذلك عن طريق وضع إطار قانوني ملائم ينظم المجال الترابي الموريتاني، وإحداث هيئات ومؤسسات تمارس اختصاصات ومهام في ميدان التعمير كل هذه الإجراءات زادت من تعميق أزمة التعمير حيث نتج عن هذه المؤسسات كثرة المتدخلين مما أفرز مشاكل جديدة مرتبطة بتنازع الاختصاص.
بات من الضروري لموريتانيا كبلد نامي مقبل على تحديات الألفية الثالثة، الاستعداد لكسب رهانات المستقبل الوطنية والدولية وتجاوز كافة المشكلات التي تشكل تحد للسياسات العمرانية، وذلك بسبب تواجد مجالات حضرية مفككة ومتدهورة وأنسجة حضرية غير منظمة تطبعها العشوائية والتهميش وهو ما يعمق مظاهر التخلف وأسبابه كالفقر والأمية. الشيء الذي دفع الدولة إلى بذل مجهودات كبيرة لتدعيم الإطار القانوني والمؤسساتي لقطاع الإسكان والعمران، وذلك فيما يتعلق بتعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بهذا المجال كالقانون المتضمن مدونة العمران ، والقانون التوجيهي المتعلق بتهيئة المجال، وكذا النظم القانونية الأخرى المتعلقة بالتخطيط والتدبير الحضريين.
وللإلمام بهذا القطاع وتوضيح مختلف جوانبه سنتطرق لرؤية القطاع (أولا) ثم نرصد (ثانيا) نجاحات قطاع الإسكان والعمران وفق السياسة العمرانية المتبعة من طرف الدولة الموريتانية.
أولا: رؤية واضحة وتخطيط للمستقبل
أصبح المجال الجغرافي الموريتاني يعرف إكراهات متعددة أدت إلى خلخلة تنظيمه بسبب النمو الديموغرافي الهائل، كما أصبح التنظيم المجالي مطبوعا بالتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين الجهات والأقاليم، هذا إلى جانب أهم المشاكل التنظيمية والقانونية التي أضحت تعوق استعمال المجال، وهي تلك المتعلقة بكيفية تنظيمه واختيار الأساليب والتقنيات الملائمة لإدارته. الأمر الذي جعل من الضروري رصد الرؤية الواضحة لقطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي الهادفة وفق السياسة التي رسمها معالي الوزير، السيد: سيد أحمد ولد محمد.
مع تنامي الشعور بالأهمية الإستراتيجية لقطاع الإسكان والعمران وما يمكن أن يحدثه من نتائج إيجابية في هذا المجال، أصبح هذا القطاع يكتسي أهمية قصوى في منظور المجتمعات البشرية، كما يشكل فضاء حيويا ذا انعكاس مباشر على مستقبل البلاد سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. هذا بالنظر إلى التخطيط العمراني وارتباطه المباشر بالحياة اليومية والأساسية للسكان، فعملية التخطيط للسياسة العمرانية لا تأتي مستقلة عن الجوانب الأخرى حيث تتأثر بالاقتصاد الخارجي والتغيرات في الجوانب السكانية ومواقف الحكومات تجاه عملية التخطيط ذاتها بل وموقف المخططين أنفسهم؛ كما تتأثر أيضا بمدى كفاءة ومصداقية الهيئات التي تضطلع بإعداد الخطة وتحاول وضعها حيز التنفيذ.
وحتى يتسنى لنا الإلمام بكل هذه المعطيات المتعلقة بالإسكان والعمران، يتعين عليها الوقوف على التخطيط العمراني الهادف (1) وإتباع أدوات تهيئة المجال (2)، مع إعطاء مزيد العناية بأهمية التخطيط العمراني (3)، وكذا رصد أهداف هذا التخطيط العمراني ورهاناته المستقبلية (4).
1 - التخطيط العمراني الهادف:
اعتمد قطاع الإسكان والعمران في موريتانيا بتوجيهات سامية من فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد والشيخ الغزواني وبإرادة جادة من لدن معالي الوزير السيد: سيد أحمد ولد محمد، سياسة تخطيط هادفة تجعل من إصلاح قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي في مقدمة السياسات العمومية.
وذلك من خلال أسلوب حكيم يتجه نحو سياسة تبتعد عن:
التصدعات الثقافية المتعددة؛
النظريات المتطرفة؛
السكن العشوائي؛
عمران فوضوي في التجمعات المكتظة داخل البلد؛
تمدن تطبعه الصدفة؛
غياب الاستشراف لبنية تحتية نوعية؛
غياب المنشآت القاعدية... إلخ.
لقد نجحت النظرة الإستراتيجية لفخامة رئيس الجمهورية من أجل موريتانيا جديدة، وكذا المرتكزات الأساسية لسياسة التعمير التي ينتهجها معالي وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي في:
إقامة سياسة وطنية من أجل الحصول على مساكن ملائمة؛
القضاء على الأحياء العشوائية والعمران الفوضي،
تأمين سكن لائق لحراس المنازل بتفرغ زينة وتوفير الخدمات الأساسية لهم؛
توفير قطيع أرضية لسكان حي الورف (المرفأ) وتأهيل أراضي لصالحهم؛
تأطير التمدن وإنشاء مدن جديدة: تشجع التجمعات بغية استخدام معقلن وفعال للمصادر العمومية.
خلق أقطاب تنموية جديدة في إطار استحداث تقطيع إداري يواكب عصرنة المدن وهيكلة الأحياء العشواية.
إتمام مشروع إعداد مخططات عمرانية لعصرنة وتطوير وتنمية عواصم الولايات التالية بالتعاون مع المكتب الثالث في قيادة الأركان العامة للجيوش، حيث وصلت الأعمال لمراحلها النهائية بالنسبة لجميع المدن المستهدفة و هي: النعمة ، لعيون ، كيفة ، اطار ، تجكجة ، سيليبابي، إضافة إلى مدينة تمبدغه، فيما انتهت الأشغال تقريبا في المخططات الخاصة بمدن: انتيكان ، لكصيبه 1 ، تامشكط ، دجيكني ، تجمع كوندي 3 ، الركيز؛
الشروع في تنقيح قاعدة البيانات للمخطط العام لمدينة لنواكشوط؛
إنجاز مخطط عام مؤمن ومرقمن لمدينة نواكشوط بالتعاون مع المكتب الثالث في القيادة العامة لأركان الجيوش، هو الأول من نوعه، إلى مخططات مماثلة في مدن أخرى؛
تسريع وتسهيل الحصول على الوثائق المتعلقة بالمخططات المؤمنة.
يحظى التخطيط العمراني الهادف باهتمام خاص في سياسية قطاع الإسكان والعمران، وذلك بالنظر للأهمية التي يكتسيها بالنسبة لضبط وتنظيم المجال بالمدن، إذ تعطي تلك الأهمية للتخطيط طابع الأولوية والأسبقية في خدمة المجهود الذي تبذله السلطات العمومية قصد تحقيق التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، العمرانية، وذلك انطلاقا من أهمية هذا التخطيط وأهدافه ورهاناته المستقبلية.
2 - أدوات تهيئة المجال:
تنفذ سياسة تهيئة المجال حسب المادة: 12 من القانون التوجيهي لتهيئة المجال من خلال الأدوات التالية:
أدوات ذات طابع استراتيجي؛
أدوات ذات غاية ميدانية؛
أدوات ذات وجه مالي.
وبحسب المادة: 29 من القانون التوجيهي لتهيئة المجال فإن: "كل أداة ذات غاية استراتيجية تتوجه من أجل إعداد ومصادقة الأطر العملانية للتخطيط والنشاط، ويتم إعداد الأطر العملانية للتخطيط والنشاط الترابي ذات الطابع الوطني بتعاون وثيق مع الوزارة المكلفة بالاستصلاح الترابي. ويتم المصادقة عليها من طرف المرصد الوطني لتهيئة المجال". تنص المادة: 35 من القانون التوجيهي السابق على أنه: "يتولى الوزير المكلف بالاستصلاح الترابي الأمانة العامة للمرصد الوطني لتهيئة المجال، على أن يتولى مدير الاستصلاح الترابي منصب نائب الرئيس".
تنص المادة: 30 من هذا القانون كذلك على: "الأدوات ذات الغاية العملانية لتهيئة المجال يمكن أن تتخذ أشكالا تعاقدية بين الدولة والمجموعات الترابية أو تجمعاتها وذلك طبقا لترتيبات القوانين المعمول بها، إن الأدوات ذات الغاية العملانية لتهيئة المجال يمكن أن تتخذ أيضا أشكالا تعاقدية بين الدولة والمجموعات وتجمعاتها والأشخاص الطبيعيين أو المعنويين حول مشروع ذا فائدة مشتركة".
بخصوص الأدوات ذات التوجه المالي لتهيئة المجال: تنص المادة: 32 من القانون التوجيهي لتهيئة المجال على أنه: "يشكل الصندوق الوطني لتهيئة المجال الأداة المرجعية ذات التوجه المالي لتهيئة المجال. تتم تغذية الصندوق الوطني لتهيئة المجال من ميزانية الدولة، ويمكن أن يستقبل اعتمادات متأتية من الاتفاقيات الموقعة من طرف الدولة، تخصيص هذه الاعتمادات لتشييد البنى التحتية الكبرى والنفاذ إلى المرافق العمومية وتمويل مشاريع شراكة الدولة المتصورة في إطار الأدوات العملانية لتهيئة المجال".
تمكن سياسة تهيئة المجال من خلق تنمية متوازنة على عموم التراب الوطني تجمع بين التقدم الاجتماعي والفاعلية الاقتصادية وحماية وتحسين البيئة، كما تهدف إلى خلق الظروف المناسبة والتشغيل عبر تعزيز تضامن المؤسسات مع الأقاليم الموجودة بها وتقليص الفوارق الإقليمية مع المحافظة على المصادر المتوفرة وتثميرها للأجيال القادمة، وكذلك جودة وتنوع الوسط الطبيعي. كما تؤمن سياسة تهيئة المجال تكافؤ الفرص بين المواطنين حيث، تضمن على الخصوص لكل فرد الولوج العادل للمعارف والمرافق العمومية على امتداد التراب وتقليص الفوارق في الثروات بين التجمعات الترابية عن طريق مواءمة مصادرها طبقا لتكاليفها وتعديل المساعدات العمومية. وتشجيع تنافسية المناطق آخذة في الاعتبار رؤية مستقبلية وخصوصية المناطق ومميزاتها المقارنة من جهة والضرورات التنافسية للمبادلات الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
جاء في المادة: 4 من القانون التوجيهي لتهيئة المجال أنه: "بعد تحديدها من طرف الدولة بالتشاور مع الشركاء المعنيين، فإن سياسة تهيئة المجال:
تساهم في الوحدة الوطنية والاندماج الإقليمي.
تعزيز التعاون بين الدولة والمجموعات الترابية الهيئات العمومية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في مجال التنمية من جهة والدولة والمجموعات الترابية والمنظمات الإقليمية من جهة أخرى".
وطبقا للمادة: 5 من هذا القانون: "تدار السياسة الوطنية لتهيئة المجال من طرف الدولة والتجمعات الترابية مع احترام مبادئ اللا مركزية والأنسبية. ويتم إشراك الفاعلين المحليين في إعدادها وتطبيقها وكذلك تقييم المشاريع المنبثقة عنها". وفضلا عن ذلك نصت المادة الثانية من القانون المتضمن مدونة العمران على أنه: "يهدف العمران إلى استصلاح المراكز الحضرية استصلاحا توقعيا وتدريجيا في إطار سياسة تنمية البلد اقتصاديا واجتماعيا. كما يهدف بصفة خاصة، عن طريق الاستخدام المعقلن للأراضي، إلى إنشاء إطار حياة للتنمية المتناسقة للإقليم على المستويات المادية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية".
3 - أهمية التخطيط العمراني في تنظيم المجال:
إذا كان المفهوم اللغوي للتخطيط العمراني، الحضري يعني التنظيم العقلاني للمستوطنات البشرية والبوادي طبقا لضوابط وقوانين محددة، فإن مغزاه الاجتماعي يهدف إلى الحفاظ على سلامة بيئة عيش المواطنين وضمان سهولة تنقلاتهم وتخصيص أماكن للتجهيزات العمومية ومناطق الأنشطة الموفرة للشغل مع توفير أسباب راحتهم بصفة عامة. ولذلك فهو يكتسي صبغة الصالح العام، هذه الصبغة التي تكمن أساسا في التنسيق الضروري بين تنظيم الإطار المجالي وبين مختلف الاختيارات النابعة من التخطيط الاجتماعي والاقتصادي العام للبلاد.
وفي هذا الإطار فقد انكبت الجهات المعنية على تغطية كافة التراب الوطني بوثائق التخطيط، هذه الوثائق المرجعية تعتبر وسيلة ضرورية لترشيد استعمال الأراضي ترتكز عليها كل تنمية متناسقة ومتوازنة للمناطق والتكتلات الحضرية وتهدف خصوصا إلى تحقيق التوزيع المتكافئ للأشخاص والأنشطة والتجهيزات والاستغلال العقلاني للطاقات والمؤهلات الجهوية. ويلاحظ من خلال هذا كله أن التخطيط العمراني الحضري يقتضي تضافر جهود العديد من الفاعلين من مهندسين وجغرافيين واقتصاديين وقانونيين واجتماعيين.. كلها تخصصات تسهم في التخطيط الحضري وتعمل على توظيف واستخدام مجموعة من الأدوات القانونية والتقنية بهدف تكوين وتطوير بيئة حضرية مناسبة لعيش الإنسان وإشباع حاجاته المادية والمعنوية.
يقتضي التخطيط الحضري تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم واستعمال المجال وتقنين أو تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطق المدينة وتخصيص وظيفة لكل منها قصد تحقيق تكامل أجزائها وانسجام أطرافها وبالتالي حسن تنظيمها وتعميرها. ومن هذه الرؤية يمكن أن نبرز أهمية التخطيط في تنظيم المجال وخلق تنمية عمرانية حضرية وقروية، هذه الأهمية تتجلى في كون التخطيط يتميز بالخصائص التالية:
تقسيم المجال إلى عدة مناطق يخصص لكل واحد منها وظيفة معينة (سكنية، صناعية، تجارية).
وظيفة الإنتاج والتوزيع.
وظيفة التنشيط عن طريق مرافق ترفيهية ورياضية.
وظيفة التنقل.
وظيفة الخدمات كأدوات الكهرباء وشبكة التطهير.
خلق توازن إقليمي بين جميع المناطق بمعنى آخر توجيه الاستثمارات لتحقيق تنمية حضرية في جميع المناطق وعلى أوسع نطاق بدل حصرها في المناطق المحدودة. فالتوازن في مجال التخطيط يهدف إلى توزيع عادل للأنشطة المختلفة بين أكبر عدد ممكن من المراكز بطريقة تضمن توفير الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لجميع المناطق والأقاليم.
وبهذا الصدد يمكن القول إن أهمية التخطيط الحضري تكمن في تخليص البلد من المشاكل الحضرية التي تراكمت وتفاقمت عبر السنين، وبالتالي استغلال موارده الطبيعية والبشرية، والرفع من مستوى معيشة السكان.
4 - أهداف التخطيط العمراني ورهاناته المستقبلية:
إن التخطيط العمراني عبر أدواته يسعى إلى تنظيم مجالات المدينة لجعلها تتماشى مع حاجيات ورغبات السكان، وذلك عن طريق تهيئة المجال لمختلف الاستعمالات السكنية والصناعية والمناطق الخضراء إلى غير ذلك من المرافق التي يرى المخطط ضرورة توفرها في المدينة. وكذا كيفية توظيفها، ولهذا التخطيط أهداف يمكن تلخيصها في ما يلي:
أ - تنظيم المجال: حيث لا يمكن فصل هذا النوع من التخطيط عن سياسة إعداد التراب الوطني التي من شأنها دعم تحقيق شروط تنمية مستديمة. وانطلاقا من هذا التصور يمكن القول بأن التخطيط العمراني يسعى إلى جعل المجال يؤدي وظائف عديدة منها مثلا:
إعادة التوازن في توزيع التجهيزات والأنشطة داخل المدينة الواحدة.
الحرص على عدم تفاقم مشاكل التدبير الحضري.
ضبط الأحياء التي تنعدم فيها ضروريات الحياة السليمة، وإعادة هيكلتها.
منع الاستعمال العشوائي للأراضي.
الحد من سلبيات الاستهلاك المفرط وغير المنتج للمجالات الفلاحية بفعل حركة العمران بمختلف أشكاله.
ب – خدمة السياسة السكنية: إن اعتماد تخطيط عمراني حضري على مستوى مجال واسع يطرح معادلة ضرورة التوفيق بين عنصرين أساسيين: التحكم في سرعة التمدن المتزايد بفعل تنامي الحاجيات من جهة وحماية دعم المجال الفلاحي الذي يتسم بتزايد أهميته في الحياة الاقتصادية والاجتماعية محليا وجهويا ووطنيا، هذه المعادلة هي ما ترمي إليه مخططات توجيه التهيئة العمرانية ووثائق التعمير المرافقة لها إلى تحقيقه إن توفرت لها شروط التنفيذ.
إن هذا التخطيط العمراني الحضري هو حجر الزاوية في أي سياسة تنموية بحيث أن هدفه يرتكز في تحقيق الرفاه للإنسان، ليس فقط عن طريق الاهتمام بتشييد المباني وتخطيط الأحياء والخدمات، بل يجب أن يهدف التخطيط العمراني إلى إقامة البيئات السكنية الملائمة صحيا، اجتماعيا واقتصاديا، ومن أجل هذه كله رتبت الإدارة ظروف وأشكال تنظيم المجال وتهيئته، وذلك عبر وثائق التعمير الدور الرئيسي. وقد مكنت هذه الوثائق من المساهمة في تنظيم التوسع العمراني وتقنين البناء وتحديد المناطق المخصصة له، كما وضعت القواعد والضوابط التي يتعين الالتزام بها عند عملية تجزئة أو بناء، لكن عدة إكراهات جعلتها تلعب دورا محدودا في مجال التدبير الحضري وساهم في انتشار بعض الظواهر كتلك المعلقة بالسكن غير اللائق.
بدون شك أن المدن الكبرى ببلادنا تعاني من بعض المشاكل تتمثل في أزمة سكن خانقة، واتساع غير اللائق والاكتظاظ وسط المدينة، اختناق في حركة النقل، اختلالات بيئية، تدهور محيط عيش السكان تمايزات اجتماعية، أمام هذا الوضع علينا أن ندرك أن "مستقبل مجتمعنا يكمن في مستقبل مددنا"، وبذلك فإن هذه الأخيرة مدعوة للإجابة على التحديات اليومية المرتبطة بالعولمة، الفعالية الاقتصادية، الاندماج، التماسك الاجتماعي، تحسين الإطار المعيشي. ومن هذا المنطلق فالتخطيط أصبح ضرورة حتمية للتغلب على الصعوبات وذلك من خلال وثائق التعمير التي من شأنها إيجاد الحلول اللازمة للمشاكل الحضرية المطروحة ومواجهة التحديات المستقبلية، وهذا يتأتي في نظرنا من التعمير الموجة إلى التعمير التشاركي والتعاقدي، إشراك جميع الأطراف وجميع الفاعلين في مختلف مراحل التعمير، بدءا من مرحلة التحضير والإعداد، إلى مرحلة التنفيذ والإنجاز، فمرحلة المراقبة والمتابعة، وكذلك خلق صيغة جادة وفعالة للتنسيق بين الإدارة المكلفة بالتعمير وباقي الإدارات الأخرى، كي يتوفر الانسجام والتكامل في تطبيق توجهات وثائق التعمير وتنفيذ برامجه ومشاريعه، كما يجب أن يكون التقسيم الإداري والجماعي والتقطيع الانتخابي مسايرا لاختيارات قوانين التعمير ومخططاته وتصاميمه، حتى لا يصطدم بمفاجآت قد تعرقل تنفيذ أو تماطل إنجازه. وهكذا فإن وسائل التخطيط العمراني الحضري لتأهيل مدننا يفترض خطة ترتكز على إعداد التصاميم الإستراتيجية المبررة للمشروع الحضري.
إن ربح الرهانات المستقبلية للتخطيط العمراني الحضري لا يتم بالارتجال والعشوائية، بل يتطلب عملية شمولية واسعة وعميقة تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الاقتصادية والهياكل العمرانية والنسيج الاجتماعي، والبناء الديمقراطي. فالدولة تعتمد في سياستها من أجل التحكم في ضبط النمو العمراني السريع على وسائل وأدوات قانونية للتدخل في إنتاج مجال حضري معقلن وسليم، ويتجلى هذا التدخل إلى جانب النصوص التشريعية والتنظيمية في المخططات التعميرية والتي تشكل دعامتها الأساسية تصاميم التعمير.
ثانيا: نجاحات أكيدة خلال فترة وجيزة
تمكن قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي من السير بخطى واثقة في الإصلاح نحو تجسيد رؤية رئيس الجمهورية في مجال السياسة العمرانية العصرية، وذلك في إطار تنفيذ برنامج أولوياتي الموسع، وبهذا الصدد أكد معالي الوزير المعني بالقطاع السيد: سيد أحمد ولد محمد في كثير من مناسبات البناء والتعمير عزمه على المضي في هذا التوجه وسعيه الجاد للإصلاح. وذلك انطلاقا من الأسس الإستراتيجية للمقاربة الجديدة لبناء موريتانيا موحدة قوية ومزدهرة؛ وهي تلك الأسس التي تنطلق من برنامج فخامة رئيس الجمهورية: محمد ولد الشيخ الغزواني "تعهداتي"، المرتكزة على الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفقر والإقصاء وترسيخ الاندماج الاجتماعي، وتأمين البلد والانفتاح على العالم الخارجي.
فقد جعل فخامة رئيس الجمهورية من هذه الأسس خلال توجيهاته والبرنامج التنموي للبلاد مؤثرات هامة وخيارات حاسمة – بل قاطعة – من أجل بلوغ الأهداف المستقبلية بثقة. إن الجهود المتخذة دون هوادة طلية السنوات الثلاث الأخيرة في شتى المجالات تشكل الأساس والضامن لطموح حقيقي لموريتانيا جديدة حيث العمل على تجسيد العدالة المجالية وإقامة توازنات اقتصادية كبيرة وإنجاز منشآت هامة لصالح السكان، والسعي الدؤوب لتحسين حياة المواطنين.
إن هذه الأسس وغيرها من الإنجازات الهامة التي شهدتها العديد من القطاعات الحيوية في الدولة، وبالخصوص منها قطاع الإسكان والعمران ستبقى شاهدة على صدقية وجدية تعهدات صاحب الفخامة، التي صوت عليها الموريتانيون قبل 3 أعوام، وها هي تتجسد على أرض الواقع في تحقيق نجاحات أكيدة خلال فترة وجيزة؛ "شواهد عهد والتزام ووفاء" رغم التحديات الماثلة عالميا وإقليميا. وهذه الانجازات تتمثل من جهة أخرى في: عصرنة البنى التحتية الإدارية (1) والتوجه نحو تحقيق أهداف معقلنة للتعمير (2) وتشييد المنشآت المدرسية (3) و أخرى كبرى (4) كترميم وتوسيع الملاعب، وترميم وتوسيع مؤسسات التعليم العالي، بناء المؤسسات القضائية العدلية وكذا المنشآت الرياضية، وبناء الفضاءات الدبلوماسية.
1 - عصرنة البنى التحتية الإدارية:
في مجال عصرنة البني التحية الإدارية لا تزال وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي تنفيذ السياسة العمرانية الهادفة إلى تعميم تشييد وإنجاز العديد من المنشآت الإدارية العصرية حسب معاير الجودة والتصنيف العالميين، حيث كان فخامة رئيس الجمهور قد دشن في ذكرى الاستقلال الأخيرة المبنى الجديد للجمعية الوطنية، ودشن شهر في أغسطس من العام 2020، مبنى المجلس الدستوري، أما على المستوى الإداري فقدت انتهت الأشغال في مسكن ومكاتب 13 حاكما، إضافة إلى ولايتي نواكشوط الشمالية والجنوبية؛ كما دخلت الخدمة العمومية عديد المنشآت الأخرى أبرزها عمارتان من 9 طوابق في نواكشوط بما مجموعه 550 مكتبا للاستخدام الوزاري، فضلا عن ترميم وتوسعة عشرات المكاتب الإدارية الأخرى، وعلى على مستوى المجالس الجهوية فقد انتهت الأشغال في 5 منها، وتتقدم الأعمال في 7 المتبقية، التي ينتظر تسليمها مكتلمة خلال الأشهر القليلة القادمة.
مبنى وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي بالمواصفات العصرية
وفي مناسبة أخرى من مناسبات البناء والتعمير جاء إشراف فخامة رئيس الجمهورية: محمد ولد الشيخ الغزواني على وضع حجر الأساس لمشروع بناء "قرية الصناعة التقليدية" المشيدة من طرف وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، كتأكيد على اهتمامه بالخصوصية الثقافية للبلاد وللمكونات الاجتماعية الوطنية. إلى جانب تحقيق هدف السياسة العمرانية، حيث يعمل قطاع الإسكان والعمران وفقا للتوجيهات السامية والطموح الكبير لصاحب الفخامة على عدة مشاريع كبرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، بناء خمسة أبراج في مدينة انواكشوط لإيواء عدة قطاعات وزارية. كما يعكف على التفاوض لبناء 2000 وحدة سكنية اقتصادية.
فخامة رئيس الجمهورية يضع الحجر الأساس لمشروع بناء "قرية الصناعة التقليدية"
في خطاب معالي وزير الإسكان خلال حفل انطلاق الأشغال في قرية الصناعة التقليدية بالميناء بولاية انواكشوط الجنوبية قال الوزير: "إن قرية الصناعة التقليدية تمثل إضافة نوعية لاقتصادنا الوطني، ولموروثنا الحضاري، ولصناعتنا التقليدية الرائدة"، ستضاف إلى عديد المنشآت الكبرى التي عمل، ويعمل، عليها قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، المسؤول بحكم مهامه القانونية والتنظيمية عن تصميم وتنفيذ سياسة حكومة معالي الوزير الأول: السيد محمد ولد بلال في مجال البنى التحتية العمومية، مدرسيةً وصحيةً وسكنية وإداريةً".
ووفق المعطيات الرسمية التي قدمها معالي وزير الإسكان بهذا الخصوص، فإنه من المنتظر أن تنتهي الأشغال في هذا المشروع خلال 24 شهرا، فيما تبلغ تكلفته 907 432 431 أوقية جديدة، وستتوفر هذه القرية على جناحين للعرض بمساحة إجمالية تقدر بـ 12730 مترا مربعا، و100 ورشة ومنصة عرض، وأجنحة للإنتاج تضم 150 ورشة على مساحة 5645 مترا مربعا، ومدرسة للتكوين تتكون من 44 فصلا دراسيا ومكتبا إداريا على مساحة قدرها 2225 مترا مربعا.
ومن المقرر أن تضم هذه القرية الثقافية كذلك مبان لإدارة الإشراف تتضمن 35 مكتبا على مساحة قدرها 1015 مترا مربعا، ومسجدا يتسع لـ 300 مصل، ومواقف للسيارات تتسع لـ 65 سيارة بمختلف الأحجام، و مطعمين كبيرين. بالإضافة إلى فضاء للزوار يأوي 230 شخصا، وملحقات فنية متنوعة على مساحة 300 متر مربع، ونقطة للتفتيش على مساحة قدرها 36 مترا مربعا.
تعنى هذه القرية الثقافية بتطوير وتفعيل أداء الصناعة التقليدية وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني الموريتاني. حيث كان صاحب الفخامة قد أشاد في خطاب وادان بجهود ما وصفها بالفئات الاجتماعية التي أسهمت عبر تاريخ البلاد بفضل القدرات الإبدائية لأبنائها، في مجالات الصناعة التقليدية والتنمية الحيوانية والزراعة والتشييد العمراني وغير ذلك..
كل هذه الصفات الإيجابية والجاذبة التي تتميز بها السياسة العامة لصاحب الفخامة انطلاقا من برنامجه "تعهداتي" ، تمثل أطروحة شاملة وميثاق شرف للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي لموريتانيا؛ وهو ما اعتبرناه سببا وجيها ومحفزا لمواكبة هذا البرنامج الهام.
وهذا بالفعل هو ما يجعل موريتانيا الغنية بتنوعها الثقافي عاقدة العزم على تجاوز رواسب وتبعات التقاليد البالية التي يتناقض بعضها مع روح العصر. كما أشار إلى هذا التوجه رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بقوله، وتشديده على أنه: "آن الأوان لتطهير الموروث الثقافي من رواسب الظلم والتخلص النهائي من الأحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة التي تصادم قواعد الشرع والقانون". وذلك في خطابه بمناسبة حفل افتتاح مهرجان مدائن التراث بوادان. الذي دعا فيه المواطنين إلى "الوقوف في وجه النفس القبلي" ، وأشار فخامته أيضا على أن: "الدولة ستظل حامية للوحدة الوطنية بقوة القانون أيا تكن التكلفة"، مؤكدا أنها "لن ترتب حقا أو واجبا على أي انتماء إلا الانتماء الوطني". كما أكد حرص الدولة على المصلحة العامة ومصلحة الأفراد أنفسهم وصون كرامتهم وحقوقهم في كنف دولة القانون.
فخامة رئيس الجمهورية يلقي خطاب افتتاح مهرجان مدائن التراث بوادان:
2 – نحو أهداف معلقنة للتعمير:
لقد حدد المهتمين بميدان التعمير مجموعة من الأهداف التعميرية والتي ينبغي استحضارها عند عمليات بناء أو إعادة بناء المدن، فهذه الأهداف يمكن تلخيصها في ما يلي:
الأهداف الصحية ولبيئية:
من الأهداف الملقاة على واضعي المخططات التعميرية هي مراعاة الجانب البيئي، فالتعمير لا ينبغي أن يكون على حساب البيئة خصوصا ونحن نعلم أن موريتانيا بلد يهتم بالفلاحة والسياحة في آن واحد. مما يجعل من الضروري أن نجعل من الفلاحة المحور الأساسي للانطلاقة الاقتصادية.
إنعاش جودة الهندسة المعمارية: مما لا شك فيه أن قوانين التعمير، وممارسة مهنة الهندسة جاءت لتعزيز نظم البناء والتجزئة العقارية، ومقتضيات الترسانة القانونية للتعمير بما يحقق جودة الهندسة المعمارية ويندرج في إطار سياسة التحكيم في التعمير وتحسين جودة الإطار المبنى، وضمان تناسق أبنية الهندسة المعمارية، حسب خصوصيات المناطق والأقاليم ومميزات أصالة المعمار التي يوليها قطاع العمران الإسكان ووزيرة صاحب المعالي السيد: سيد أحمد ولد أحمد أهمية كبيرة. مع مسايرة التطور المطلوب في هذا الصدد سواء من حيث تقسيم التجزئات، أو تصميم البناء وتحديد مرافقه اللازمة أو مقاييسه الداخلية، أو استعمال مواد البناء وتنوعها. فبغرض وضع حد لتدهور المنظر الحضري والعمراني وتأكيد الأصالة الموريتانية في مجال العمران جعلت إرادة المشرع وقطاع الإسكان والعمران من المهندسين مساعدين للإدارة في لتحقيق الأهداف المتوخاة، وعزم على إشراك هذه الهيئة لوضع حد لتدهور التراث المعماري من خلال إدخال إصلاحات على هذه المهنة ووضع قواعد قانونية تمكن المهندس من أداء مهمته بشكل جيد، ذلك أن الهندسة المعمارية تترجم قيمة وخصوصية كل حضارة.
ولنا أن نلاحظ مدى الأهمية البالغة للمحافظة على التراث المعماري الموريتاني، من خلال التصاميم الهندسية التي اعتمدها قطاع العمران والإسكان في مشروع بناء 50 وحدة سكنية بالمواد المحلية في مدينة سيليبابي، التي كان فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني قد أشرف على وضع حجرها الأساس في دجمبر 2019.
"مستقبل مجتمعنا يكمن في مستقبل مدننا..."
"من أجل مدن ذات وظيفة هادفة نحو تطوير الاقتصاد والمجتمع"
تم بناء كل وحدة من هذه الوحدات السكنية على مساحة 300 م2، وتتكون من غرفتين وصالون ومطبخ وحمام، وقد بنيت جميعها وفق تقنية الطين المضغوط، (BTC)، المستخدمة لأول مرة في بلادنا. وهي من تنفيذ مؤسسة تنفيذ الأشغال المنجزة بالمواد المحلية التابعة للقطاع. ويُعد هذا الإنجاز هو الأكبر من نوعه في بلادنا، وسيكون له دور مستقبلي في تحسين النمط العمراني، خاصة في الريف.
وفي إطار ضمان إنجاز الأشغال في الآجال المحددة ووفق المعايير؛ كان معالي الوزير السيد: سيد أحمد ولد محمد اتخذ قرارا في أكتوبر2021، بتعيين مهندسين في القطاع على المشاريع المختلفة، مع تبعيتهم المباشرة له، حتى يضمن تقدم الأشغال التي يتابع سيرها بنفسه من خلال الزيارات الميدانية المنتظمة.
في مجال تنفيذ سياسة الدولة لتجميع البلدات والقضاء على التقري العشوائي، أوضح معالي الوزير أن الأشغال تقترب من نهايتها في مشروع بناء 50 وحدة سكنية للموظفين في كل من مدينة عدل بكرو، وكذلك تجمع أم اصفيه، وانبكت لحواش، وترمسه، وبلحراث، وماغه، وصابها الله، والعطف، وبورات وتنومند كما تعمل الحكومة على حل مشكلة المياه في بعض هذه التجمعات، وستنطلق الأشغال قريبا في تجمع بقله بالحوض الشرقي.
و ما كان لهذه الحصيلة أن تكون لولا المتابعة اليومية للأشغال، التي يقوم بها معالي الوزير حيث تمكن تنفيذا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية، خلال الأشهر الماضية من الوقوف على كل ورشة عمل تابعة للقطاع، كما واكب الوزير مهندسو القطاع، لما لهم من دور هام في المتابعة والمراقبة اليومية للأشغال. وبالنظر أيضا للحرص الكامل لمعالي الوزير على جودة العمل وجديته في تطوير السياسية العمرانية في البلد ومعاقبة كل المخالفات التي تتجاوز شروط ومواصفات الجودة وعدم احترام آجال والمعايير في تنفيذ الأعمال والمشاريع. وفي هذا الصدد يري معالي الوزير أن: "الأشغال كانت تترك أحيانا للإهمال، ما خلف تركة معقدة من عدم التزام الآجال والمعايير، فكان لابد من علاج يوافي حجم الخلل، لذلك أكد الوزير أنه لم يتردد في فسخ العقود حال التأكد من عدم جدية المقاول، لتكون الحصيلة 18 عقدا تم فسخه خلال الأشهر الماضية، وتم منحها مجددا وفق مسطرة الصفقات وانتهت الأشغال في بعضها، وتتقدم في البعض الآخر وفق الآجال التعاقدية الجديدة".
هذا وقد تمكنت "وكالة التنمية الحضرية، التابعة للقطاع، من تصفية جميع الخلافات المتعلقة بإعادة هيكلة الأحياء العشوائية في نواكشوط، كما وفرت سكنا مناسبا لنحو 10 آلاف أسرة، وصححت وضعية سكن 35 ألف أسرة، في عملية طبعتها الشفافية".
الأهداف الاجتماعية: تتجلى هذه الأهداف في ضمان وتأطير وضبط النمو الحضري والقروي للبلاد، وذلك تنفيذا لسياسة التوازن التي يحددها إعداد التراب الوطني في النمو الديمغرافي، في حاجيات السكان، وفي توزيع الخيرات والأنشطة بين الجهات الاقتصادية، وداخل كل جهة على حدة، حتى تنمحي معالم التمييز المجالي؛ بين مجال ترابي وطني نافع ومنتفع وآخر غير نافع ولا منتفع، وتضيق فجوة الفروق الطبقية والجهوية بالإضافة إلى هذا ينبغي تزويد المجالات الحضرية المهمشة بالتجهيزات الأساسية والمرافق الضرورية التي تعمل على تكوين وتنشئة السكان وتأطيرهم وإدماجهم في الحياة العامة للمجتمع.
الأهداف الأمنية للتعمير: لقد ركز رواد التعمير التنظيمي على تدعيم الأمن والنظام العام من خلال تحديدهم للبعد الأمني في سياسة التعمير، حيث يعتبرGeogrges Houssman أن: "المدينة عبارة عن نسق شمولي أو إطار عام تلعب فيه شبكات الطرق والمواصلات والماء الصالح للشرب دورا أمنيا". وعلى سبيل المثال فإن بناء الطرق والجسور والقناطر الواسعة تسهل عملية المرور، كما أنه في حالة الطوارئ أو الاستعجال تسهل عمل تدخل السلطات العمومية في أقرب ممكن. وهكذا تصبح المدينة مهيأة لأداء وظائفها في حالة السلم والحرب.
كما أنه ضمن تدابير السلامة، يسهم ذلك في تنظيم حركة المرور تفاديا لحوادث السير التي تخلق أضرار بشرية ومادية جسيمة تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني. كما أن التعمير الحديث، يركز على الأهداف الجمالية للمجال الحضري، وذلك حتى يظهر هذا الأخير بمظهر أكثر تنسيقا وتنظيما، وبالتالي تحقيق الجانب الجمالي في بناء المجالات الحضرية من شأنه أن يساهم في إنعاش قطاع السياحة مثلا، وذلك من خلال الحفاظ على المآثر التاريخية، وخلق مساحات خضراء وتحديد ساحات وفضاءات عمومية للترفيه والاستراحة، وتزيين واجهات المنازل وأرصفة الشوارع بأشكال هندسية تعكس طابعا معماريا معنيا، كما أن عمليات تشجير الساحات العمومية والأرصفة من شأنها إضفاء طابع جمالي على فضاء المدينة.
3 - المنشآت المدرسية: في مناسبة من مناسبات البناء والتعمير قال معالي وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي السيد: سيد أحمد ولد أحمد: "إن بلادنا تعرف الآن أكبر ورشة مفتوحة للأشغال المدرسية، كانت نتائجها حتى الآن على مستوى قطاع الإسكان إنشاء أزيد من 800 فصل دراسي، أي ما يقدر بـ 100 مدرسة مكتملة، بقدرة استيعابية تقارب 50 ألف تلميذ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن العاصمة نواكشوط استفادت خلال السنوات الثلاثة الماضية من 280 فصلا دراسيا". وحول المنشآت المدرسية قيد الإنشاء أوضح معالي الوزير أن العمل يجري الآن على قدم وساق في 800 فصل دراسي في عموم البلاد ستدخل الخدمة تباعا. هذا فضلا عن: 9 رياض أطفال بنواكشوط لدعم التعليم ما قبل المدرسي انتهت الأشغال في 7 منها.
هذا وكان فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني قد أشرف في شهر أكتوبر الماضي خلال افتتاح العام الدراسي: 2022/2021، على إطلاق على مشروع ترميم وتأهيل المؤسسات التعليمية العمومية، وتوسيع المدارس القديمة منها. شمل هذا المشروع 28 مؤسسة تعليمية بالعاصمة نواكشوط ظلت عرضة للغمر؛ ويتكون البرنامج من بناء 89 فصلا دراسيا جديدا، فضلا عن تأهيل 296 فصلا دراسيا، مع تحصين جميع هذه المؤسسات من الغمر. وقد وصل تقدم الأشغال فيها نحو 70%.
صورة أمامية: نموذج لإحدى المدارس المشيدة من طرف قطاع الإسكان...
في إطار هذه الأشغال على سبيل المثال لا الحصر فيما يتعلق بالقطاع 22 بمقاطعة توجنين، انطلقت الأشغال في بناء 3 مدارس ابتدائية، وإعدادية، وثانوية. وذلك على مستوى ولاية نواكشوط الشمالية، شملت مدرسة أحمد ولد الديد بتيارت، وثانوية تيارت، وإعدادية تيارت رقم: (1) ، إضافة إلى مدارس؛ أسماء وحمودي وزيد بمقاطعة دار النعيم.
وذلك ما يؤكد أن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، يولي اهتماما خاصا بالبنى التحتية، وخاصة المدرسية، لذا أعطى تعليماته بتهيئة وتوسعة جميع المدراس القديمة على مستوى العاصمة نواكشوط، كما أشرف فخامته في أكتوبر الماضي على إطلاق الأشغال في هذا المشروع الذي يشمل منشآت تعليمية ظلت عرضة للغمر، وهي مدارس ترتبط بذاكرة مدينة نواكشوط وتخرجت منها أجيال خدمت الدولة الموريتانية.
وفي هذا الصدد أضاف معالي وزير: الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي القول بكل ثقة وتأكيد: "إنه لأول مرة تتم توسعة في مدينة نواكشوط على هذا النحو من توفير للخدمات العمومية الأساسية، و أن القطاع سيعتمد هذه المنهجية مستقبلا قبل إقامة أي توسعة في أية مدينة".
4 – المنشآت الأخرى: بالنظر لأهمية التعمير والتخطيط له باعتباره حجر الزاوية في أي سياسة تنموية تتواصل بتوجيهات سامية من فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني، وبإرادة جادة من طرف وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، السيد: سيد أحمد ولد محمد جهود البناء والتعمير في عدة منشآت وطنية كبرى. منها على سبيل المثال لا الحصر:
قطاع العدالة: فيما يخص المنشآت العدلية أنهى قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي الأشغال في: 4 محاكم جديدة، كما انتهت إجراءات الصفقات المتعلقة بمشروع بناء 14 مقر محكمة في مختلف أنحاء البلاد، فيما تتواصل أعمال بناء السجن المركزي الجديد بنواكشوط.
وفيما يتعلق الفضاء الدبلوماسي: على مستوى سفارات البلاد بالخارج؛ تتواصل الأشغال في بناء سفارات موريتانيا بالرباط وأبوظبي ونيامي، النيجر وقريبا في وباماكو وقنصليتنا في لاس بلماس.
وفي مجال البنية التحتية الرياضية: بلغت الأشغال مراحلها النهائية في عملية ترميم وتوسعة ملعبي لكصر في نواكشوط ورمظان في روصو، كما تتواصل الأشغال في ملعب pk7 في مدينة روصو، مع الرفع من مستوى ملعبي الأولمبي وشيخه ولد بيديا وبناء دارين للشباب، وذلك منذ أغسطس 2019.
على مستوى التعليم العالي: انتهت إجراءات التعاقد للدراسات المتعلقة ببناء المعهد العالي للرقمنة في نواكشوط، فضلا عن توسعة وترميم معهد التعليم العالي بروصو، وكذلك المدرسة العليا للتجارة بنواكشوط، ومشروع توسعة جامعة نواكشوط العصرية، وذلك دعما للبنية التحتية للتعليم العالي.
وعلى مستوى البنى التحتية الصحية: تتقدم الأشغال بوتيرة مرضية في المستشفى الكبير في سيلبابي، حيث يمثل المكونة الأخيرة من مشروع تطوير المدينة، وذلك بعد الانتهاء من بناء 50 وحدة سكنية بالمواد المحلية في أول تجربة من نوعها في بلادنا؛ كما انتهت الأشغال في 14 مركزا ونقطة صحية، وبالموازاة مع ذلك تتواصل الأشغال في توسعة المستشفى الوطني بنواكشوط. كما سيشهد النصف الثاني من العام الجاري، انطلاق أشغال بناء مستشفيات ألاك وتجكجة ولعيون حيث انتهت الإجراءات التحضيرية لذلك، وفاء بتعهداتكم فخامة رئيس الجمهورية.
وفي الأمد المنظور: وفقا للتوجيهات السامية والطموح الكبير الذي يحمله فخامة رئيس الجمهورية؛ يعمل قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي على عدة مشاريع كبرى، نذكر منها على سبيل المثال الحصر، "بناء خمسة أبراج في مدينة لنواكشوط لإيواء عدة قطاعات وزارية كما يعكف على التفاوض لبناء 2000 وحدة سكنية اقتصادية".
خلاصة:
لقد عرفت موريتانيا حركة تحضر تمت على مراحل مختلفة، فمع دخول الاستعمار إلى البلاد مدفوعا بمطامعه الاقتصادية التي ارتبطت باكتشاف المعادن في الشمال، ظهرت بعض المدن التي تعتبر اليوم النواة الأولي للشبكة الحضرية للبلد، مثل مدينة ازويرات وانواذيبو. وقد ظلت هذه المدن تعاني العديد من المشاكل الحضرية والانفجار الديموغرافي نتيجة لتدفق المهاجرين من الأرياف صوبها.
تعد ظاهرة انتشار السكن الفوضوي من أبرز المشاكل التي تواجهها السياسة العمرانية في البلاد بشكل عام، ومدينة نواكشوط بشكل خاص، فهذه الظاهرة العمرانية الخطيرة عرفت انتشارا ملحوظا في ضواحي المدينة بشكل مذهل مما أعطى صورة مشوهة للمنظر العام للعاصمة وبيئتها الحضرية، وأحدث خللا في تركيبتها العمرانية. وتعود هذه الظاهرة الخطيرة إلي النمو السكاني المتسارع الذي كان مسئولا عن زيادة الطلب علي السكن، وكذا قصور برامج التنمية والتخطيط الاقتصادي عن تلبية حاجات هذا النمو ، وارتفاع حدة البطالة والهجرة الريفية نحو المدن. وما زاد من تفاقم المشكلة هو تجاهل الجهات المعنية لأبعاد المشكلة وغياب أجهزة المراقبة والمتابعة الميدانية من طرف الجهات المسؤولة عن التعمير والبناء، فانتشرت أحياء الصفيح (الكبات) والأحياء الفوضوية الصلبة (الكزرات) على محاور الطرق.
إن وضعا كهذا يتطلب للوصول إلى ما ينبغي أن يكون عليه عمران هذا الوطن، وعيا وإدراكا لحجم المسؤولية والتحدي...، وكسب "رهان البناء الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض" ، توفر إرادة جادة في الإصلاح وتطوير السياسة العمرانية.
لذلك فإن التوجيهات السامية والطموح الكبير لفخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد الشيخ الغزواني، والجهود الجبارة التي يبذلها معالي وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي السيد: سيد أحمد ولد أحمد طبقا لتلك التوجيهات؛ جاءت في الحقيقة لتعبر عن إرادة سياسية الهدف منها هو توطين وتوطيد كل الهياكل الإدارية والاجتماعية والاقتصادية المساعدة على مواصلة العيش والاستقرار وتحقيق العدالة المجالة، وذلك ما يُرسي ويعزز دعائم الاندماج الاجتماعي كهدف أسمى لتلك الإدارة سبيلا للوصول إلى مجتمع متنوع ومتصالح مع ذاته.
هذا ما يؤكده معالي وزير الإسكان.... بالقول والإرادة الصادقة في الإصلاح:
"ذلك مبلغ الجهد، وذلك ما تحقق لأهل موريتانيا، وهو باق للأجيال، ومع ذلك سنواصل العمل دون كلل أول ملل".
وبالله التوفيق.
الدكتور/الحسين محمد جنجين
أستاذ متعاون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة انواكشوط.